اتدرون ما المباهله...نعم انها هي,,,,
ما هي آية المباهلة و في من نزلت هذه الآية ؟
الاجابة للشيخ صالح الكرباسي
تسمى الآية ( 61 ) من سورة آل عمران بآية المباهلة ، و هي : ﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ [1] .
أما المعنى اللغوي للمباهلة فهي الملاعنة و الدعاء على الطرف الآخر بالدمار و الهلاك ، و قوله عَزَّ و جَلَّ { نَبْتَهِلْ } أي نلتعن .
و قد نزلت هذه الآية حسب تصريح المفسرين جميعاً في شأن قضية و قعت بين رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) و نصارى نجران ، و اليك تفصيلها .
قصة المباهلة :
كتب النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) كتابا إلى " أبي حارثة " أسقف نَجران دعا فيه أهالي نَجران إلى الإسلام ، فتشاور أبو حارثة مع جماعة من قومه فآل الأمر إلى إرسال وفد مؤلف من ستين رجلا من كبار نجران و علمائهم لمقابلة الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) و الاحتجاج أو التفاوض معه ، و ما أن وصل الوفد إلى المدينة حتى جرى بين النبي و بينهم نقاش و حوار طويل لم يؤد إلى نتيجة ، عندها أقترح عليهم النبي المباهلة ـ بأمر من الله ـ فقبلوا ذلك و حددوا لذلك يوما ، و هو اليوم الرابع و العشرين [2] من شهر ذي الحجة سنة : 10 هجرية .
لكن في اليوم الموعود عندما شاهد وفد نجران أن النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) قد إصطحب أعز الخلق إليه و هم علي بن أبي طالب و ابنته فاطمة و الحسن و الحسين ، و قد جثا الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) على ركبتيه استعدادا للمباهلة ، انبهر الوفد بمعنويات الرسول و أهل بيته و بما حباهم الله تعالى من جلاله و عظمته ، فأبى التباهل .
قال العلامة الطريحي ـ صاحب كتاب مجمع البحرين ـ : و قالوا : حتى نرجع و ننظر ، فلما خلا بعضهم إلى بعض قالوا للعاقِب و كان ذا رأيهم : يا عبد المسيح ما ترى ؟ قال والله لقد عرفتم أن محمدا نبي مرسل و لقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم ، والله ما باهَل قومٌ نبيًّا قط فعاش كبيرهم و لا نبت صغيرهم ، فإن أبيتم إلا إلف دينكم فوادعوا الرجل و انصرفوا إلى بلادكم ، و ذلك بعد أن غدا النبي آخذا بيد علي و الحسن و الحسين ( عليهم السَّلام ) بين يديه ، و فاطمة ( عليها السَّلام ) خلفه ، و خرج النصارى يقدمهم أسقفهم أبو حارثة ، فقال الأسقف : إني لأرى و جوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا لأزاله بها ، فلا تباهلوا ، فلا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة ، فقالوا : يا أبا القاسم إنا لا نُباهِلَك و لكن نصالحك ، فصالحهم رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) على أن يؤدوا إليه في كل عام ألفي حُلّة ، ألف في صفر و ألف في رجب ، و على عارية ثلاثين درعا و عارية ثلاثين فرسا و ثلاثين رمحا .
و قال النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) : " و الذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلّى على أهل نجران ، و لو لاعنوا لمسخوا قردة و خنازير و لأضطرم عليهم الوادي نارا ، و لما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا " [3] .
في من نزلت آية المباهلة :
لقد أجمع العلماء في كتب التفسير و الحديث على أن هذه الآية نزلت في خمسة هم :
1. النبي الأكرم محمد رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) .
2. الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) .
3. السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السَّلام ) .
4. الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) .
5. الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) .
ففي صحيح مسلم : و لما نزلت هذه الآية : ﴿ ... فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ ... ﴾ [4] دعا رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) عليا و فاطمة و حسنا و حسينا فقال : " اللهم هؤلاء أهلي " [5] .
و في صحيح الترمذي : عن سعد بن أبي وقَّاص قال : لما أنزل الله هذه الآية : ﴿ ... نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ ... ﴾ [6] دعا رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) عليا و فاطمة و حسنا و حسينا ، فقال : " اللهم هؤلاء أهلي " [7] .
و في مسند أحمد بن حنبل : مثله [8] .
و في تفسير الكشاف : قال في تفسير قوله تعالى : ﴿ ... فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ ... ﴾ [9] ، فأتى رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) و قد غدا محتضنا الحسين ، آخذا بيد الحسن ، و فاطمة تمشي خلفه و علي خلفها ، و هو يقول :
" إذا أنا دعوت فأَمّنوا " فقال أسقف نجران : يا معشر النصارى لأرى و جوها لو شاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا و لا يبقى على وجه الأرض نصارى إلى يوم القيامة ... " [10] .
و هناك العشرات من كتب التفسير و الحديث ذكرت أن آية المباهلة نزلت في أهل البيت ( عليهم السَّلام ) لا غير ، و لا مجال هنا لذكرها .
نقاط ذات أهمية :
و ختاماً تجدر الإشارة إلى نقاط ذات أهمية و هي :
1. إن تعيين شخصيات المباهلة ليس حالة عفوية مرتجلة ، و إنما هو إختيار إلهي هادف و عميق الدلالة ... و قد أجاب الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) حينما سئل عن هذا الإختيار بقوله : " لو علم الله تعالى أن في الأرض عبادا أكرم من علي و فاطمة و الحسن و الحسين لأمرني أن أباهل بهم ، و لكن أمرني بالمباهلة مع هؤلاء فغلبت بهم النصارى " [11] .
2. إن ظاهرة الإقتران الدائم بين الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) و أهل بيته ( عليهم السَّلام ) تنطوي على مضمون رسالي كبير يحمل دلالات فكرية ، روحية ، سياسية مهمة ، إذ المسألة ليست مسألة قرابة ، بل هو إشعار رباني بنوع و حقيقة الوجود الامتدادي في حركة الرسالة ، هذا الوجود الذي يمثله أهل البيت ( عليهم السَّلام ) بما حباهم الله تعالى من إمكانات تؤهلهم لذلك .
3. لو حاولنا أن نستوعب مضمون المفردة القرآنية { أنفسنا } لأستطعنا أن ندرك قيمة هذا النص في سلسلة الأدلة المعتمدة لإثبات الإمامة ، إذ أن هذه المفردة القرآنية تعتبر علياً ( عليه السَّلام ) الشخصية الكاملة المشابهة في الكفاءات و الصفات لشخصية الرسول الأكرم ( صلَّى الله عليه و آله ) بإستثناء النبوة التي تمنح النبي خصوصية لا يشاركه فيها أحد مهما كان موقعه و منزلته .
4. فالإمام علي ( عليه السَّلام ) إنطلاقاً من هذه المشابهة الفكرية و الروحية هو المؤهل الوحيد لتمثيل الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) في حياته و بعد مماته لما يملكه من هذه المصداقية الكاملة .
و قد أكَّد رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) هذه الحقيقة في أحاديث واضحة الشكل و المضمون .
المباهلة في اللغة هي الملاعنة ، أي الدعاء بإنزال اللعنة على الكاذب من المتلاعنَين ، و البَهلةُ اللَعنة [ انظر تحرير ألفاظ التنبيه : 1/247 ] .
و هي مشروعة ، لإحقاق الحق و إزهاق الباطل ، و إلزام الحجة من أعرض عن الحق بعد قيامها عليه ، و الأصل في مشروعيتها آية المباهلة ، و هي قوله تعالى : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) [ آل عمران : 61 ] .
و سبب نزول هذه الآية الكريمة هو ما كان من وفد نصارى نجران عند قدومهم المدينة و محاجتهم رسولَ الله صلى الله عليه و سلم بما يعتقدونه من الباطل في المسيح عيسى بن مريم عليه السلام .
روى البخاري في صحيحه عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قوله : جاء العاقب و السيد صاحبا نجران إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يريدان أن يُلاعناه ، فقال أحدُهُما لصاحبه : لا تفعل فو الله لئن كان نبياً فلاعنا لا تفلح نحن و لا عقبنا من بعدنا . قالا : إنا نعطيك ما سألتنا و ابعث معنا رجلاً أميناً ، و لا تبعث معنا إلا أميناً ، فقال : ( لأبعثن معكم رجلاً أميناً حق أمين ) فاستشرف له أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال : ( قم يا أبا عُبيدة بن الجراح ) فلما قام قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( هذا أمين هذه الأمة ) .
و قد ذكر الحافظ ابن حجر [ في الفتح :8 / 95 ] بعض ما يُستفاد من هذا الحديث ، و من ذلك قوله : و فيها مشروعية مباهلة المخالف إذا أصر بعد ظهور الحجة ، و قد دعا ابن عباس إلى ذلك ثم الأوزاعي ، و وقع ذلك لجماعة من العلماء . و مما عُرفَ بالتجربة أن من باهَل و كان مبطلاً لا تمضي عليه سنة من يوم المباهلة ، و وَقَعَ لي ذلك مع شخص كان يتعصب لبعض الملاحدة ؛ فلم يقُم بعدها غير شهرين . اهـ .
قلتُ : و ليست مشروعية المباهلة خاصة بالنبي صلى الله عليه و سلم ، بل هي له و لأمته من بعده ، و مما يدخل في ما أمرنا بالتأسي به فيه من أمور الدين .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله : ( إن السنة في مجادلة أهل الباطل إذا قامت عليهم حجة الله ، و لم يرجعوا ، بل أصروا على العناد ، أن يدعوهم إلى المباهلة ، و قد أمر الله سبحانه ، بذلك رسوله صلى الله عليه و سلم ، و لم يقُل : إن ذلك ليس لأمتك من بعدك . و دعا إليها ابنُ عمه عبد الله بن عباس ، من أنكر عليه بعض مسائل الفروع ، و لم يُنكر عليه الصحابة ، و دعا إليه الأوزاعي سفيان الثوري في مسألة رفع اليدين ، و لم يُنكَر عليه ذلك ، و هذا من تمام الحجة ) [ زاد المعاد : 3 /643 ] .
و بهذا يتبين أن مباهلة أهل الباطل أمر مشروع ، غير أنه لا يُصار إليه إلا مع الجزم بصحة ما عليه المباهل و صدقه فيه ، و ترتب مصلحة شرعية على المباهلة كإحقاق الحق ، و إقامة الحجة ، و ليس الانتصار للنفس أو الغضب لغير الله ، أو لأمر من أمور الدنيا .
و نظراً لخطورة الدعوة إلى المباهلة أو قبول الدعوة إليها فالأولى عدم التوسع في هذا الباب ، و الاحتراز مما قد يترتب على المباهلة من مفاسد كتعلق العوام بأحد المتباهلين ، أو إظهار باطل لم يكن ليظهر لولاها ، أو إصابة المباهل الصادق بالرياء أو غير ذلك من المفاسد .
جاء في شرح قصيدة ابن القيم [ 1/37 ] : ( و أما حكم المباهلة فقد كتب بعض العلماء رسالة في شروطها المستنبطة من الكتاب و السنة و الآثار و كلام الأئمة ، و حاصل كلامه فيها أنها لا تجوز إلا في أمر مهم شرعاً وقَع فيه اشتباه و عناد لا يتيسر دفعه إلا بالمباهلة ، فيُشتَرط كونها بعد إقامة الحجة و السعي في إزالة الشبه و تقديم النصح و الإنذار و عدم نفع ذلك و مساس الضرورة إليها ) .
هذا و الله المستعان ، و بالله التوفيق .[1] القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 61 ، الصفحة : 57 .
[2] ما ذكرناه هو المشهور بين المفسرين و المؤرخين ، و هناك أقوال أخرى .
[3] مجمع البحرين : 2 / 284 ، للعلامة فخر الدين بن محمد الطريحي ، المولود سنة : 979 هجرية بالنجف الأشرف / العراق ، و المتوفى سنة : 1087 هجرية بالرماحية ، و المدفون بالنجف الأشرف / العراق ، الطبعة الثانية سنة : 1365 شمسية ، مكتبة المرتضوي ، طهران / إيران .
[4] القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 61 ، الصفحة : 57 .
[5] صحيح مسلم : 4/1871 ، طبعة : دار إحياء التراث العربي/ بيروت .
[6] القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 61 ، الصفحة : 57 .
[7] صحيح الترمذي : 5/225 حديث : 2999 ، طبعة : دار الكتاب العربي / بيروت .
[8] مسند أحمد بن حنبل : 1/ 185 ، طبعة : دار صادر / بيروت .
[9] القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 61 ، الصفحة : 57 .
[10] تفسير الكشاف : 1/ 193 ، طبعة : دار الكتاب العربي / بيروت .
[11] المباهلة : 66 ، لعبد الله السبيتي ، طبعة : مكتبة النجاح ، طهران / إيران .