بالطبع متوتر .. فحينما تجلس مع هذا الكم من الشخصيات التاريخية لابد أن تتوتر ..
و إن كنت لا تصدقنى دعنى أعيد عليك أسماء الذين أجلس أمامهم من جديد : كونفوشيوس .. أرسطو .. سيبويه .. تشى جيفارا.
أعتقد أنك الآن تفهم موقفى جيداً .. هكذا دخلت اليهم و رحبت بهم جميعاً .. ثم بدأت قائلاً :"أيها الساده .. أهلاً بكم فى كليتنا و بعد أن أخذتم جوله فيها.. ما رأيكم فى طلبة كليتنا الحبيبة ؟"
فرد أرسطو وهو لا يطيق الجلوس"بالطبع لا يستطيع أحد أن يحكم على الآخر بمظهره فقط ولكن دعنى أقول لك نصيحة .. أختلفوا مع أساتذتكم .. تكلموا حتى يروكم " .
فشكرته على هذه النصيحة الكارثية .. ثم أحسست بهزه غريبه فى أرجاء المكان ولكننا أدركنا إنها ذقن كونفوشيوس تتحرك تمهيدا ليتكلم ..
فقال بصوت رخيم يليق حقا بذقنه:"الطفولة طاقة بلا عقل .. و الشيخوخة حكمة بلا طاقة .. أما الشباب فهم العقل
و الطاقة .. تذكروا أنتم فى أفضل مراحل العمر".
عدلت من جلستى و قلت :"و لكن ألا ترون أن مناهجنا صعبة إلى حد المستحيل .. فمعظم الطلبة لا يصلون إلى حقيقة الإجابة الكاملة "
فرد الفيلسوف الإغريقى فرجيل :"الحقيقة الكاملة؟! يا بنى لقد ظللت أبحث عن الحقيقة عمرى بأكمله حتى بحثت عنها بقنديل فى الطرقات .. وهم الأن بكل بساطه يطالبوكم بها ، يبدو أنكم تتحملون أكثر من اللازم فى هذه الكلية، كما أن لكل جواد كبوة و حتى هوميروس يحنى رأسه ، أننى حقا أشفق عليكم ".
فلم أستطع منع الدمعه من بين عينى و قلت :"تخيل .. أترى كم نحن مظلومون؟"
و ما أن قلت كلمة مظلومون، حتى سمعت صرخة مدوية فعلمت فوراًِ أنها من الثورى العظيم جيفارا .. و لمت نفسى ألف مره لذكرى هذه الكلمة فلقد ضغطت على وتره الحساس .. بل أنى كدت أن أقطعه .. هكذا صاح ثائراً و منفعلا :"ظلم؟ .. أسمع أيها الرفيق .. أننى أشعر بكل صفعة على خد أى مظلوم .. فأينما يوجد الظلم فهو موطنى".
كدت ألطم وجهى من فرط المصيبة .. فحيثما يقرأ أى دكتور هذه السطور سيمضى فوراً فى نصب مجلسى التأديبى .. لذا حاولت سريعا تغيير الموضوع فقلت :"حسنا .. دعونى أعرف رأيكم فى الإتحادات الطلابية ؟"
أراد جيفارا الكلام ثانية فعلمت حقاً أن مستقبلى التعليمى فى خطر بالغ ..
و لكنه قال :"دائماً ما كنت أضيق ذرعا بالمناصب الرسمية .. و لكن من فى باله خدمة الناس لا يحتاج المناصب فى شىء".
فقلت :"هذا صحيح وما يحزننى أن هناك زملاء لا يقدرون ذلك و دائمى الإنتقاد"
فقال كونفيشيوس بعد الإنتهاء من معركتة الدامية و الأزلية مع ذقنة :"خير لك أن تضىء شمعه من أن تمضى حياتك تلعن الظلام".
ثم طلب "سيبويه" التحدث .. شاب فارسى .. وسيم .. عينان حادتان .. يتكلم العربية بفصاحة بالغة تدل على دراستة المتأصلة للغة العربية .. قال:"أعتقد أنها مشكلة ثقة .. كل منكم لا يريد التعرف على حقيقة الآخر .. كل منكم يرى مظهره و القناع الذى فوق طبيعته فقط .. لا يرونكم أنتم .. تماما كما قال معلمى الأول "الخليل بن أحمد" بعد أن عزله الخليفة من منصب قاضى القضاة ...
لو كنت تعلم ما أقول عذرتنى
أو كنت أعلم ما تقول عزلتك
لكن جهلت مقالتى فعـــزلتنى
و علمت أنك جاهل فعذرتك
ثم قال:"كما أننى أعتقد أن حياتنا أقصر من أن نتنازع عليها .. فهى تتسع فقط للحب
و التعاون لصنع الخير و تحصيل الجنة "
و نظر عميقاً إلى عينى و قال :"صدقنى .. أقصر مما تتخيل"
ثم ردد بيتيه الخالدين ..
يؤمل دنيا لتبقى لــــــــــه
فمات المؤمل و عاش الأمل
حثيثا يروى جذور النخيل
فعاش الفسيلة و مات الرجل
لم أجد خاتمة لهذا الحوار الخيالى أفضل من هذا .. لذا جمعت أوراقى ذاهباً بها مباشرةً إلى مكتب العميد . داعيا الله ألا تكون هذه اللحظات آخر عهدى بكليتى الحبيبة.
بقلم: بشمهندس محمود حسام الدين طالب بكليه الهندسه