سلسلة مفاهيم مغلوطة: السؤال الخامس: من هو أول المخلوقات؟؟؟
السؤال الخامس: ما هو أول المخلوقات؟
وبحديث أبي هريرة مرفوعاً: "كل شئ خُلق من ماء".[2]
وهذا القول –أن الماء هو أول مخلوق- لا يصح ولا دليل عليه من كتاب أو سنة، أما الاستدلال بالآية السابقة فلا دلالة فيها علي هذا القول، أما الحديث فهو ضعيف قد ضعفه الألباني، وعلي فرض صحته فلا دلالة فيه علي أن الماء أو مخلوق.
وكذلك استدلوا بحديث عمران بن حصين أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "كان الله ولم يكن شئ غيره، وكان عرشه علي الماء".[3]
وأيضاً فهذا الحديث ليس فيه تصريح بأن الماء هو أول المخلوقات.
وقال آخرون بل العقل هو أول المخلوقات واستدلوا بحديث روي عن النبي صلي الله عليه وسلم "أو ما خلق الله العقل".
ولكن أيضاً هذا القول قول ضعيف لا يصح، أما الحديث الذي استدلوا به فقال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: هذا حديث باطل موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث.أ.هـ
قال ابن القيم: أحاديث العقل كلها كذب.أ.هـ
قال الألباني: كل ما ورد في فضل العقل فهي أحاديث تدور بين الضعف والوضع.أ.هـ
وقال آخرون: أول المخلوقات علي الإطلاق هو النبي محمد صلي الله عليه وسلم[4]، استدلوا علي هذا بما يلي:
1- عن أبي هريرة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "كنت أول النبيين في الخلق".[5]
2- حديث جابر: "أن أول خلق الله نور نبيك يا جابر".[6]
3- عن ابن عباس أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد".[7]
نقول: وهذا أيضاً قول ضعيف لا دليل صحيح عليه، أما الحديث الأول الذي استدلوا به فهو حديث ضعيف لا يصح، وكذلك الحديث الثاني والحجة إنما في الصحيح لا الضعيف.
وأما الحديث الثالث: نعم هو حديث صحيح ولكن لا دلالة فيه علي أن النبي صلي الله عليه وسلم هو أول خلق الله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية معلقاً علي هذا الحديث:[8]
من الجهل أن يظن أحد أن النبي صلي الله عليه وسلم كان موجوداً بذاته حينئذ، بل المقصود هو أن الله عز وجل كتب نبوته وأظهرها في ذلك الوقت –وآدم بين الروح والجسد- كما يكتب رزق المولود وعمله وهو بين الخلق ونفخ الروح.أ.هـ[9]
ثم نقول:
1- لو كان النبي صلي الله عليه وسلم هو أول خلق الله لكانت هذه منقبة وفضيلة عظيمة تقتضي أن يُظهرها النبي صلي الله عليه وسلم ويحدث بها أصحابه من باب "وأما بنعمة ربك فحدث" كما أخبرهم بأنه خليل الرحمن عز وجل في قوله صلي الله عليه وسلم: "صاحبكم خليل الله".[10]
2- هذا القول يفتح الباب للغلو في شخص النبي صلي الله عليه وسلم وهو القائل: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم".[11]
وهكذا كانت بداية النهاية في دين النصارى لمَّا غلوا في عيسي عليه السلام، وهذا بعينه ما حدث في شأن النبي محمد صلي الله عليه وسلم حيث غالي فيه الجاهلون:
فهذا يقول: شأن النبي محمد في جميع تصرفاته شأن الله، فما الوجود إلا لمحمد.
وذاك يقول: الروح المحمدية هي المظهر الكامل للذات الإلهية.
وثالث يقول: محمد حيُ في قبره، متصرف في العالم العلوي والسفلي.
وصدق القائل:
وكذا أشباه النصارى مذ غلوا في دينهم بالجهل والطغيان
صاروا معادين الرسول ودينه في صورة الأحباب والإخوان
أما الإجابة الصحيحة عن السؤال... ما هو أول المخلوقات؟
عن ابن عباس أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "أو شئ خلقه الله القلم، فأمره فكتب كل شئ".[12]
إذاً القلم هو أول المخلوقات علي الراجح.[13]
[1] راجع في ذلك رسالة عقيدة المسلمين لأحد رؤوس الصوفية.
[2] رواه أحمد والحاكم وضعفه الألباني.
[3] رواه أحمد والبخاري.
[4] لذلك تسمع من يمدح النبي صلي الله عليه وسلم فيقول: "يا أول خلق الله".
[5] رواه أبو نعيم والطبراني وضعفه الألباني وقال رحمه الله في سنده ضعفاء ومدلسون.
[6] قال الألباني هذا حديث باطل وقد رواه عبد الرزاق بسند لا يعرف.
[7]رواه أحمد وصححه الألباني,
[8] حديث "كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد".
[9] الجواب الصحيح لابن تيمية.
[10] متفق عليه.
[11] رواه البخاري عن عمر ابن الخطاب.
[12] رواه البيهقي وأبو نعيم وصححه الألباني.
[13] قد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما أن أول المخلوقات هو العرش لقول النبي صلي الله عليه وسلم: "كتب الله مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة قال وكان عرشه علي الماء"، رواه مسلم، وهو قول مرجوح قوله: "وكان عرشه علي الماء" جملة معطوفة لا دلالة فيها علي هذا القول وكون الكتابة تمت والعرش علي الماء فلا يدل أن العرش أول المخلوقات .
