سلسلةمفاهيم مغلوطة: السؤال الثالث: هل الخضر عليه السلام مازال حياً؟؟
السؤال الثالث: هل الخضر عليه السلام ما زال حياً؟
والخضر علي الراجح من أقوال العلماء: نبي من الأنبياء الموحي إليهم ودلائل هذا الأمر:
1- في قصته مع موسي علي السلام قَدِم الخضر علي خرق السفينة وقتل الغلام وبناء الجدار وما كان له أن يفعل ذلك من إتلافٍ للماg أو قتلٍ للنفس أو بناءٍ للجدار إلا بوحي من الله عز وجل.[2]
قال الإمام ابن كثير رحمه الله:
ما قدِم الخضر علي قتل الغلام إلا بوحي من الملِك العلام، وهذا دليل مستقل علي نبوته وبرهان عصمته.أ.هـ
2- قول الخضر عليه السلام: "وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي" فيه دلالة ظاهرة علي أن الخضر عليه السلام نبي يُوحي إليه.
قال الإمام القرطبي في تفسيره لهذه الآية:
والخضر نبي عند الجمهور فالآية تشهد بنبوته، لأن مواطن أفعاله لا تكون إلا بوحي، حيث يوحي إليه بالأحكام والتكاليف، كما أوحي للأنبياء عليهم السلام، غير أنه ليس برسول.أ.هـ
3- قول الله عز وجل عن الخضر: "وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً"، التصريح بأن علم الخضر من لدن الله عز وجل فيه دلالة علي نبوته لأن العلم اللدني لا يكون إلا للأنبياء.
وقد جاء في الحديث ما يؤيد هذا في قول الخضر عليه السلام لموسي عليه السلام: "إني علي علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه".[3]
ففي هذا الحديث: أن الله تعالي خص كلاً منهما بعلم منه لا يعلمه الآخر، وكل ذلك يدل علي نبوة الخضر عليه السلام.
تنبيه:
أورد الإمام البخاري الحديث السابق في كتاب الأنبياء وترجم له بقوله: "حديث الخضر مع موسي عليهما السلام" فجمعهما في صيغة التسليم، وهذا يُفهم منه أن الإمام البخاري يذهب إلي قول الجمهور بنبوة الخضر عليه السلام.
قال الإمام الشنقيطي رحمه الله:
ومما يستأنس به للقول بنبوة الخضر هو تواضع موسي عليه السلام للخضر في قوله: "هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً"، وفي قوله: "قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً".أ.هـ[4]
هل الخضر عليه السلام مازال حياً؟
نعود إلي السؤال الذي طرحناه:
هل الخضر مازال حياً؟
نقول: أما أصحاب الطرق الصوفية ورؤساءهم فيرون أن الخضر ما زال حياً يُرزق، يطوف الأرض لهذا وذاك، يكشف كرب المكروبين ويهدي الحياري والتائهين.
لذا فإن اللقاء مع الخضر هو أول ما يتمناه الصوفي ليتلقي منه العلوم اللدنية والمواهب الربانية.
قال أبو العباس المرسي:
دخل عليَّ الخضر فعرفني بنفسه، وأخبرني بأرواح المعذبين وأرواح المنعمين.أ.هـ[5]
ولكن الصحيح خلاف ما ذهب إليه هؤلاء، فالخضر عليه السلام ميت ويدلل علي هذا الكتاب والسنة والإجماع والعقل:
أما الكتاب:
1- قال عز وجل: "وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ" [الأنبياء : 34]، وقال تعالي: "كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ" [آل عمران : 185]
ففي الآية الأولي: نفي الله عز وجل أن يكون لأحدٍ من البشر الخلد في هذه الحياة، ولو كان الخلود مقدَّر لأحد لكان النبي محمد صلي الله عليه وسلم أولي بذلك.
أما الآية الثانية: فأشارت إلي أنه ما من نفسٍ منفوسة إلا وقد كتب عليها الموت فيدخل في هذا العموم الخضر عليه السلام.
2- قال عز وجل: "وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ" [آل عمران : 81]
قال ابن عباس رضي الله عنه: ما بعث الله تعالي نبياً إلا أخذ عليه الميثاق بأن يؤمن بالنبي محمد صلي الله عليه وسلم.أ.هـ
فلو كان الخضر عليه السلام حياً لوجب عليه أن يذهب إلي النبي صلي الله عليه وسلم ليفي بهذا العهد الذي أخذه الله عليه بنصرة النبي صلي الله عليه وسلم.
أما السنة:
1- عن جابر بن عبد الله أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:
"ما من نفسٍ منفوسة اليوم، يأتي عليها مائة سنة، وهي يومئذ حية".[6]
فهنا يخبر النبي صلي الله عليه وسلم بأن كل من علي وجه الأرض من الأنفس البشرية علي عهده صلي الله عليه وسلم لا يمر عليها مائة عام إلا وقد أدركها الموت.
2- ولما سُئل البخاري (عن حياة الخضر) استدل رحمه الله علي موت الخضر بالحديث السابق.
3- عن جابر أن النبي صلي الله عليه وسلم رأي مع عمر بن الخطاب صحيفة من التوراة فغضب وقال: "لو كان موسي حياً لما وسعه إلا أن يتبعني"[7]
فلو كان موسي عليه السلام وهو بالإتفاق أفضل من الخضر حياً لوجب عليه اتباع النبي صلي الله عليه وسلم فمن باب أولي من دونه يلزمه اتباع النبي صلي الله عليه وسلم.
3- سئل الإمام أحمد عن رؤية الخضر؟
فقال: من أحالك علي غائب فما أنصفك، ما أُلقي هذا علي السنة الناس إلا الشيطان.أ.هـ
4- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
حكايات رؤية الخضر عليه السلام من الكذب.أ.هـ
5- وسئل رحمه الله: هل الخضر مازال حياً؟
فقال: لو كان حياً لوجب عليه أن يأتي ا لنبي صلي الله عليه وسلم يتعلم منه ويجاهد معه.أ.هـ
6- قال الإمام ابن القيم: الأحاديث التي يُذكر فيها الخضر وحياته كلها كذب.أ.هـ
7- قال الإمام الشنقيطي (صاحب الأضواء):
الأحاديث المرفوعة التي يُذكر فيها حياة الخضر وكونه باقياً لم يثبت منها شئ بل دلت الأدلة علي وفاته.أ.هـ
والعقل يرفض القول بحياة الخضر:
1- فلو كان الخضر صلي الله عليه وسلم حياً فهل يغيب عن المشاهد العظيمة كيوم بدر وحجة الوداع ويظل هائماً علي وجهه في القفار والفلوات!!
2- فلو كان الخضر عليه السلام حياً فهل يحجب نفسه عن الظهور للنبي صلي الله عليه وسلم أو أصحابه رضي الله عنهم ثم يظهر لهؤلاء الصوفية ممن عم جهلهم وفسد دينهم!!!![8]
فماذا بعد الحق إلا الضلال، فأني تؤفكون!!!![9]
أما الإجماع:
قال الإمام ابن الجوزي: أجمع المحققون من أهل العلم علي موت الخضر.أ.هـ
تنبيه هام:
(نذكر الإجماع قبل أدلة العقل).
[1] رواه أحمد والبخاري ومسلم.
[2] راجع فتاوى اللجنة الدائمة.
[3] رواه البخاري.
[4] أضواء البيان ج4 ص154.
[5] ولا نجد تأويلاً لهذه الرؤيا أفضل مما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "لبَّس الشيطان علي كثير من الناس فيأتيهم في منامهم ويقول أنا الخضر، وإنما هو شيطان تصور بصورته.أ.هـ، بتصرف من مجموع الفتاوي.
وما أجمل ما قاله ابن الجوزي في صيد الخاطر قال: تأملت أحوال الصوفية فرأيت أكثرها منحرفاً عن الشريعة بين جهل بالشرع وابتداع بالرأي.أ.هـ
[6] متفق عليه.
[7] رواه أحمد وفي سنده "مجالد بن سعيد" وهو ضعيف وقد حسنه الألباني بالشواهد، "إرواء 1589"
[8] ذهب إلي القول بحياة الخضر عليه السلام وأنه ما زال حياً الإمام القرطبي والنووي وابن الصلاح والنقاش والسيوطي ولكن كلُّ يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي صلي الله عليه وسلم.
[9] وقد رد الإمام ابن الجوزي القول بحياة الخضر عليه السلام بما يزيد عن عشرة أوجه في كتابه "عجالة المنتظر في شرح حال الخضر".
