سلسلة مفاهيم مغلوطة- أولاً: أين الله؟؟
السؤال الأول "أين الله"؟
إنك إذا وجهت هذا السؤال إلي آحاد الناس سارع بالإجابة عليك قائلاً: الله في كل مكان!!!!
وهذه الإجابة مخالفة لما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة فالله عز وجل مستوٍ علي عرشه فوق السماوات، قال تعالي:
"الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى" [طه : 5]
وعن معاوية بن الحكم أن النبي صلي الله عليه وسلم قال للجارية: أين الله؟ فقالت: في السماء.[1]
ومعني قول الجارية: "في السماء" أي علي السماء.[2]
وعن جابر أن النبي صلي الله عليه وسلم في حجة الوداع كان يشير بإصبعه يرفعها إلي السماء ويقول "اللهم اشهد، الله اشهد".[3]
قلت: ففي إشارة النبي صلي الله عليه وسلم بيده إلي السماء دلالة علي أن الله عز وجل في السماء وهذا من أدلة علو الله عز وجل.
والأدلة الصحيحة علي علو الله عز وجل واستواءه علي العرش فوق السماوات السبع أكثر من أن تحصي ونذكر منها:
1- رفع الأيدي عند الدعاء.
2- تصريح القرآن بصعود الأعمال إلي الله.
3- التصريح بنزول الله عز وجل إلي السماء الدنيا كل ليلة.
4- أسماء الله الحسني مثل الأعلي- العلي – المتعال – الظاهر.
فهذه أدلة وغيرها كثير يدل علي علو الله عز وجل.
سئل العلامة ابن العثيمين: عن قول بعض الناس "الله في كل مكان"؟[4]
فأجاب رحمه الله: هذا كلم باطل، فإذا سئل المرء: أين الله فليقل "في السماء" كما أجابت المرأة حين سألها النبي صلي الله عليه وسلم. وأما من قال: "إن الله في كل مكان" وأراد بذلك أنه بذاته في كل مكان فهذا كفر، لأنه تكذيب لما دلت عليه النصوص، بل الأدلة السمعية والعقلية والفطرية علي أن الله عز وجل عليُّ علي كل شئ، وأنه فوق السماوات مستوٍ علي عرشه.أ.هـ[5]
وجاء في أسئلة اللجنة الدائمة عن حكم قول "الله في كل مكان"؟
فكان الجواب: عقيدة أهل السنة والجماعة أن الله سبحانه وتعالي مستوٍ علي عرشه بذاته، وهو عز وجل بائن ومنفصل عن العالم وقد دلت كثير من الأدلة علي علو الله عز وجل منها حديث الجارية لما سألها النبي صلي الله عليه وسلم فقالت: في السماء، فقال صلي الله عليه وسلم للرجل: "أعتقها فإنها مؤمنة".[6]
قلت: شهد النبي صلي الله عليه وسلم لهذه الجارية بالإيمان لما قالت بأن الله عز وجل في السماء، وفي هذا دلالة علي أنه من علامات صحة إيمان العبد أن يشهد لله عز وجل بالعلو والفوقية.
قال الإمام عبد القادر الجيلاني:
لا يجوز وصف الله عز وجل بأنه في كل مكان.أ.هـ[7]
قال الإمام ابن عبد البر:
أحاديث نزول الله عز وجل حجة لأهل السنة أن الله عز وجل في السماء علي عرشه وهو حجة علي المعتزلة القائلين بأن الله بذاته في كل مكان.أ.هـ
إشكال والرد عليه:
عن عبد الله بن معاوية قال: قال رسول الله صلي الله عليه و سلم: "ثلاث من فعلهن فقد طَعِمَ طَعْم الإيمان... وفيه: وزكيَّ نفسه، فقال رجل: وما تزكية النفس؟
فقال صلي الله عليه وسلم: أن يعلم أن الله عز وجل معه حيث كان".[8]
هل في هذا دليل علي أن الله في كل مكان؟
نقول: المقصود بالمعية المذكورة في الحديث هي معية العلم والإحاطة لا معية الحلول والإتحاد بين الخالق والمخلوق.
قال الإمام محمد بن يحي الذهلي معلقاً علي الحديث السابق:
"يريد أن الله عز وجل علمه محيط بكل مكان، والله عز وجل علي العرش".أ.هـ[9]
ونختم الجواب بفصل الخطاب من الإمام مالك رحمه الله قال:
الله في السماء، وعلمه في كل مكان، لا يخلو من علمه مكان.أ.هـ[10]
[1] رواه مسلم (537)
[2] قال المبتدعة الذين ينكرون علو الله معني قول الجارية "الله في السماء" أي رفيع القدر جداً.
[3] رواه مسلم في كتاب الحج.
[4] واعلم أن هذه العقيدة "الله في كل مكان" هي مما يدرسه طلاب الأزهر الشريف.
[5] فتاوى علماء البلد الحرام "27".
[6] فتاوى اللجنة الدائمة بالمملكة.
[7] ذكره ابن تيمية في مجموع الفتاوى ج5 ص85
[8] رواه البيهقي والطبراني وصححه الألباني (1046)
[9] ذكره الذهبي في العلو.
[10] ذكره ابن تيمية في مجموع الفتاوي ج5 ص53.
