~®~§~¤«`•.¸¸•قصائد للحياة•.¸¸.•`»¤~§~®~
يقول العلامة السيد محمد حسين فضل الله:
"قصائدي لم تكتب في وقت واحد، بل كتبت في فترات متباعدة، ولكن ما يجمعها أنها تتصل بالجانب الإسلامي والسياسي والروحي.. ربما كان في ملامح بعضها بعض الاتجاهات الفكرية التي لا تمثل اتجاهي الآن.. وربما كان في بعضها بعض الأحاسيس الذاتية التي لا تلتقي بالأجواء التي أتحرك بها في أحاسيس الخاصة الآن،أنها تمثل فترة عمر، وتجربة حياة، ومعاناة فكر".
فمن خلال الأجواء الدينية التي صبغت شخصية العلامة الفاضل يجد نفسه شاعراً للحياة،كيف لا والشعر بالنسبة إليه يعني الإحساس بالحياة بطريقة موسيقية في الكلمة، وفي الوزن، وفي الاستغراق بجمالات الحياة، وهو مرآة الواقع للإنسان في حياته.
يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه
فلولا الشّعر بالعلماء يزري . . . . لكنتُ اليوم أشعر من لُبيد
وأشجع في الوغى من كل ليث . . . . وآل مهلب وأبي يزيد
ولولا خشية الرحمن ربي . . . . حسبت الناس كلهم عبيدي
من ديوان من صنعنا ـ صفحة 197
ولقد حذا السيد حذو الإمام الشافعي فها هو يقول:
فمن كان في نظم القريض مفاخراً . . . . ففخري طُرّأ بالعُلى والفضائل
ولست بآباء الأباة مفاخراً . . . . ولست بمن يبكي لأجل المنازلِ
فإن أكُ في نيل المعالي مقصرا . . . . فلا رجعت باسمي حداة القوافل
سأنهجُ نهج الصالحين وأرتدي . . . . رداء العُلى الشامي بشتى الوسائلِ
وأجهد نفسي أن أعيش معززاً . . . . وليس طِلاب العزّ سهل التناولِ
http://www.al-wed.com/pic-vb/16.gif تصدر الكتاب قصيدة حملت عنوان "رب رحماك" يقول في مطلعها:
رب رحماك إنَّ روحي تذوي
وفؤادي يذوب شيئـاً فشيّا
وأراني أعيش في غمرة الأمر
هَام ظمآن لا أرى لي ريّا
ما أنا، ما الحياة، ما الروح عندي
غير سرّ يبدو لديّ خفيّا
لا أرى في الحياة إلا خيالاً
مضمحلاًّ يطوف في مقلتيّا
وفي قصيدة "اعتراف وابتهال" يقول في نهايتها:
أنا راجٍ غفران ذنبي، وإن ضجّ . . . . بنتنِ الذنوب مني الفضاءُ
وأنا من أنا سوى الفقر للرحمة . . . . والعفو حسب قلبي الرجاء
أنت ربي وقد صنعت بنعماك . . . . كياني.. وفاضت النعماء
واستمر الجحود مني ولم أشكر . . . . فهل لي إليك دربٌ مضاء
أنت يا رب عالم بجراحاتي . . . . خبير بما يَجُنُّ الخفاء
وأَنا راجعٌ إليك بقلبي . . . . إن قلبي صحيفة بيضاء
فإذا شئت أن تعذب جسمي . . . . بغواياته، فحسبي الدعاء
دع لساني يدعوك يا ربّ . . . . وافعل بي ما شئت فالدعاء هناء
http://www.al-wed.com/pic-vb/16.gif ولما قال الشاعر نزار قبانى قصيدته التي حملت عنوان "خبز وقمر وحشيش " والتي يقول في مطلعها:
عندما يولد في الشرق القمر
فالسطوح البيض تغفو
تحت أكداس الزهر
يترك الناس الحوانيت، ويمضون زُمر
لملاقاة القمر
يحملون الخبز.. والحاكي.. إلى رأس الجبال
ومُعدات الخدر
ويبيعون، ويشربون خيال
وصور
ويموتون إذا عاش القمر.
ما الذي يفعله قرض ضياء؟
ببلادي
ببلاد الأنبياء.
وبلاد البسطاء.
ماضغي التبغ، وتجار الخدر
يومها انبرى سماحة السيد بقصيدة "أى ثورة " وردَّ عليه قائلاً:
أي ثورة
حقق الشعب بها للشرق ذاته
فدعى فيها حياته
مثلما ينسكب النور على الدنيا الكئيبة
مثلما ينطلق الينبوع في الأرض الجديبه.
فإذا بالأفق أعراس وأحلام خصيبة
وإذا بالقفر واحات وأفياء رحيبه
أي ثورة
أحرق الشعب لها في معبد الوحي بخوره
ودعى فيها شعوره
إنها اليقظة عادت مثلما.
عاشت الشمس.. بأحداق الجزيرة
تملأ الأرواح حبّاً وسنا
وحياة زغردت فيها المنى
إنه الإنسان قد عادلنا
في إنطلاق يملأ الوعي ضميره.
ويقول فيها:
لن يعود الشّرق تاريخاً
يُغني ويكرَّر
وحديثاً عن لياليه عن العرش المزوَّر
وعن الأفيون والدخان والحلم المنوَّر
أنظروه
حدّقوا في الوعي في كل مكان
بدأ الدَّرب وفي آفاقه
ألف كيان
فمضى يختصر الدَّرب.. ويقتاد الزّمان
فإذا الوحدة في كل ضمير ولسان
حلم العامل والفلاح والفكر المهان
إنه تاريخنا يصنع في أرض العروبة
فانظروه في الغد الرَّيان والأرض الخصيبه
في بلادي حيث يحيا الجرح في وعي وطيبه
ولقد ماتت مع الأمس التواريخ الغريبة
http://www.al-wed.com/pic-vb/16.gif وكما عاش سماحته المعاناة الروحية التي تتطلع في بعض الحالات في أجواء صوفية إلى جانب المعاناة السياسية التي كان يعيش فيها القهر السياسي مع كل الفئات الشعبية، تطلع إلى الأجواء العامة من خلال القضية الفلسطينية التي تأثر بها ولا يزال، ففلسطين لها في شعره نصيب كبير،
فهو يقول في قصيدته "أسطورة فلسطين"
وهنا كان يبصر اللهب الدامي دماءٌ مسفوحةٌ ودخاناً
ويرى كيف تحمل الثورة الكبرى لواء الجهاد حرّاً مصاناً
ونشيد الحرية العذب كم دوى.. وكم أجج الوعي نيراناً
والشباب الشباب كيف استشار الروح منه نداؤه فتفانى
يتهادى مع المنيّة سكراناً كما داعب الهوى سكراناً
ويغني للحرب حيث الدماء الحمر تكسو مجالها أرجواناً
والهتافات والعذارى وصوت عربي يزلزل الأكوانا
ونضالٌ دوت به صيحة الحق لتفدي شبابنا الأوطانا
يتلظى ليوقد الشعلة الأولى فيردي لها العدو الجبانا
هكذا ثم رفرفت راية النصر وكأن الفتح الحبيب تداني
وإذا بالنداء يستصرخ الجيش رجوعاً فقد ربحنا الرّهانا
إنها الآن هدنة يبعث الخير نداها لنستعيد قوانا
وإذا بالعدو يقتحم الغاب كأن لم يكن طريداً مهاناً
وهنا أسدل الستار ولم يبق سوى مسرح تداعي كيانا
و "فلسطين" لم تعد غير أسطورة عهد مضى يثير أسانا
http://www.al-wed.com/pic-vb/16.gif قصائد للإسلام والحياة لحظات مشرّفة ومشرقة تمثل فترة عُمر، وتجربة حياة، ومعاناة فكر، وهي برمّتها خلاصة الأجواء الرَّوحية التي عاشها سماحة العالم السيد محمد حسين فضل الله... وهي فترة متميزة متماهية لشخصية اقتحمت عالم الشعر مبكراً..
وقصائد الديوان برمتها اصدق تعبير وشاهد عن فترة تتصل بالجانب الإسلامي والسياسي والرُّوحي من الحياة، دعماً يمكن أن يحقق المستقبل عطاء الإسلام الحركي، لا سيما أنها لمرجع فقيه تضلع باللغة وبيانها منذ طفولته نصاً وتذوقاً وإيحاء.
بقلم د:محمد عبد الرحيم
مجلة هي وهو
العدد 41/ آب ـ أغسطس ـ 2003