من لا يرحم الناس لا يرحمه الله
من مكارم الأخلاق (3)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد :
فهذه توجيهات سلوكية في المجال الأخلاقي . فمن ذلك ما أخرجه الحافظ أبو عيسى الترمذي رحمه الله من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال :" جاء شيخ يريد النبي صلى الله عليه وسلم , فأبطأ القوم عنه أن يوسعوا له , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا" ([1]) .
فقد نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم شرف الانضمام والانتماء إلى المجتمع الإسلامي عن أهل الجفاء والقسوة الذين لا يرحمون الصغار ولا يحترمون الكبار , وهذا يعني أن من فعل ذلك قد ارتكب كبيرة لما قد ترتب على تلك المخالفة من براءة النبي صلى الله عليه وسلم ممن فعل ذلك .
وهذا يبين لنا أهمية الاهتمام بالصغار بالرحمة بهم , وبالكبار باحترامهم , وقد جمع بين الصغار في السن والكبار اشتراكهما في عامل الضعف , وأن كلا من الفريقين بحاجة إلى الراشدين في المجتمع الذين لم يبلغوا سن الشيخوخة .
وقد نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة الله جل وعلا عن الذين لا يرحمون الناس , كما أخرج الحافظ أبو عبد الله البخاري رحمه الله من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"من لا يَرحم لا يُرحم" ([2]) .
وفي رواية أبي عيسى الترمذي رحمه الله توضيح لهذه الرواية حيث جاء فيها "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله" ([3]) , وهذا بيان لفضيلة خلق الرحمة وأهميته في الإسلام , حيث رتب صلى الله عليه وسلم رحمة الله جل وعلا بالعباد على رحمتهم بالناس .
والرحمة خلق جليل يترتب عليه المعروف والإحسان والعدل , واجتناب الظلم وكف الأذى, فصاحب القلب الرحيم مجبول على فعل الخير واجتناب الشر .
وفي بيان جزاء الرحمة أخرج الشيخان رحمهما الله من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات , فأعطت كل واحدة منهما تمرة , ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها , فاستطعمتها ابنتاها , فشقَّت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما, فأعجبني شأنها فذكرت الذي صنعتْ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " إن الله قد أوجب لها الجنة – أو قال- أعتقها من النار" ([4]) .
ففي هذا الحديث إشادة من النبي صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة التي رحمت ابنتيها فآثرتهما على نفسها , فهل كانت تلك المرأة تتصور أنها بتنازلها عن تمرة واحدة ستدخل الجنة ؟ فما أهون الثمن وما أبلغ الجزاء!