اخيرا انكشــــــــــف القنـــــــــــــاع........
خرجَ الأستاذ سامح مدرس اللغة العربية من المدرسة
فتناولَ غداءه فى مطعم قريب ، ثم دخل مسجد الإمام الحسين
- رضوان الله عليه - بحى الأزهر أقدم أحياء القاهرة ، فصلى
العصر ، ثم اتجه إلى منطقة الجمالية ذات الطابع الشعبى
فدلف منها إلى بيتٍ قديمٍ ؛ ليعطىَ الدرسَ الخصوصىّ لتلميذه
فى المدرسة خليل...
وبعد قليل ، دخلتْ شقيقة التلميذ الكبرى
لتقدمَ القهوة للأستاذ سامح فإذا بها رائعة الجمال ...حسنة
المظهر....وتحركتْ مشاعرُ الأستاذ أمام عينيها
الزرقاوين ، والتى بدتْ كالسماء الصافية فى ليالى الربيع
نعم.. فلقد كان لعيونها بريقٌ عجزَ عن مقاومة سحره ! ..
وأما شعرُها فكان : أصفرَ اللون ذهبياً ناعماً ، وقد تدلّتْ إحدى
خصلاته إلى عيونها ، فزادتها جاذبية ، ثم انسحبتْ فى هدوء
ليكملَ درسه مع شقيقها ، وقد ودعتْه بابتسامةٍ ملؤها الرقة
والعذوبة والوداعة الطفولية البريئة ...
وظل الأستاذ سامح يوم الثلاثاء من كلّ أسبوعٍ ، يترددُ على
منزل تلميذه خليل ؛ ليعطيه الدرسَ الخصوصى ، وقد أصبحَ
معتادا أنْ تأتىَ شقيقة تلميذه بالقهوة ، ثم بدأَ التعارفُ بينهما
وأبلغته بأنَّ تعليمَها متوسط ، ولكنَّها تحبُّ طريقة إلقائه
للشِعر فى الدرس ، حيث إنها تحرصُ على أنْ تسمعَ الدرسَ
من غرفتها ؛ لتراجعَ مع أخيها ماحصّله من الدروس
واقتربتْ المسافة بينهما ، وازدادَ الإعجابُ درجاتٍ ، وكلما
حانَ موعدُ الدرس ، تزعمُ بأنَّ دواءَ أمها المريضة ، والتى
ترقدُ فى فراشها ، قد انتهى ، ولذلك فإنها ترجو الأستاذ ، بأنْ
يسمحَ لأخيها بالنزول حالاً ؛ لشراء الدواء لأمها ، وطبعاً
لايستطيعُ الأستاذ رفض طلبٍ إنسانىّ كهذا ، فتنفردُ به
فى غياب أخيها ؛ ليبدأ تعانقُ الأرواح ...وتشابكُ
القلوب ؛ لتقترب المسافة أكثر فأكثر....
ويظلُّ الأستاذ متجمداً مع عينيها المتقدتين بالأنوثة الحُلوة
فانكسرَ حاجزُ صمته ، بإبداء إعجابها بثقافته المتنوعة
وإلمامه بمعارف الحياة المختلفة ، بل أخذتْ تنوّهُ إلى وسامته
التى تعجبُ بناتِ الشارع اللاتى يرونه وهو يدخلُ منزلهم
وكلما جاءتْ بالقهوة ، لمستْ أصابُعها أصابعه ، وهو يتناولُ
القهوة من يديها الناعمتين كالمرمر الرقيق ، فتبتسمُ له
ابتسامة تغريه بمزيدٍ من القرب ، ولولا تدينه العالى ، وخوفه
الدائم من الله ، لكان من الممكن أن يتهور ....
ومرتْ السنة الدراسية ، وتقررَ أنْ يُعقدَ الامتحانُ النهائىّ
للطلاب يوم السبت القادم ، ومن ثمَّ فإنَّ على الأستاذ أنْ يذهبَ
هذه المرة يوم الجمعة ، وليس الثلاثاء ، للمراجعة النهائية
مع تلميذه ، ولذلك فلقد تحدّثَ سامح إلى عائلته ؛ بالرغبة فى
الزواج من هذه الفتاة ، جميلة الشكل ، رقيقة الطبع ، وبدأ
يعددُ مزاياها أمام أسرته ، وإنه سيطلبُ من الفتاة فى يوم
الجمعة القادم ، بأنَّه يريدُها زوجة له ، وذلك بعد اعطاء آخر
درس لأخيها هذا العام ، فإذا لم يحدثْ الزواجُ ، فإنه لن يدخلَ
بيتهم مرة أخرى ، وبينما الأستاذ فى المدرسة إذا بهاتفه
المحمول يرنُّ ، وكان المتحدثُ ابن خالته ، والذى يسكنُ
فى قرية بعيدة جداً عن القاهرة ، وقد دعاه ابن خالته لحفل
زفافه غدا الجمعة ، ومعه العائلة ، فوقع الأستاذ سامح فى
حيرةٍ ، إذ كيف يحضرُ زفاف ابن خالته ، والذى لابدَّ فيه من
أنْ يسافرَ من الفجر ، وطبعاً لايستطيعُ الاعتذار عن حفل
الزفاف ، وفى ذات الوقت فإنَّه موعدُ الدرس الآخير فى السنة
وهو درسٌ مهمٌ جداً ، إلى جانب أنَّه سيطلبُ فيه الزواجَ من الفتاة الجميلة شقيقة تلميذه ، فخطرتْ له فكرة ، وهى أنْ
يصحبَ تلميذه اليوم الخميس بعد انتهاء اليوم الدراسى
مباشرة ؛ ليعطيه الدرسَ الاخير الآن بدلاً من الغد ، ومن ثمَّ
فإنَّ شقيقة التلميذ لم تعلمْ بالموعد المفاجئ للدرس ، حيث
أنَّها تستيقظ بعد الظهر ، بينما يكون أخوها خليل قد خرج
من مدرسته .....
ودخلَ الأستاذ سامح منزل تلميذه ، والفتاة الجميلة مازالتْ
نائمة فى سباتٍ عميقٍ ، وكان صوت الراديو ( المذياع ) عند
الجيران عالياً جداً ، مما أيقظ الفتاة النائمة نومة أهل الكهف
فاستيقظتْ متضايقةً جداً ، وصبَّتْ جامَ غضبها على الجيران
وأخذتْ تكيلُ لهم كلَّ الألفاظ النابية ، والتى تخدشُ حياءَ
الرجال المنحرفين ، فما بالك إذا سمعها فتياتُ الحىّ
المتعففات ، ذوات الخجل والحياء الأنثوى الفطرى ، ودام
عويلُها ونباحُها وزئيرُها وعواؤُها ، ولاتدرى بأنَّ
الأستاذ سامح يسمعُ كل ماقالته من جراء صوتها العالى
الفاضح ، وأصبحَ فى ذهولٍ من فتاته الرقيقة ، ولما أنهتْ
سبَّها لجيرانها ، انطلقتْ إلى الحمام ؛ لتغسلَ وجهَها من
آثار النوم ، وعبرتْ الصالة ؛ لتجدَ سامح أمامها ، فوجمتْ من
هول المفاجأة ، أما هو فتوالتْ المفاجاتُ أمام عينيه ، إذ لم يجدْ
لها عيوناً زرقاءً ، بل كانت عدسات لاصقة ، وكان شَعرها
خشناً جداً ، فقد كان مايراه دوماً ، هو باروكة شعر مستعار
والآن : يراها على حقيقتها الظاهرة والباطنة ، نعم يراها الآن
بوضوحٍ خُلقا - بضم الخاء- وخَلقا - بفتح الخاء - ولقد كانت
الصدمة تجاه ما اكتشفه من فتاته كبيرةً جداً ، لكنَّه تحاملَ
على نفسه ، وحمدَ ربَّه شاكراً إياه ، على أنَّ هذا اليوم
هو الدرس الآخير فى السنة ...
وبدأ يفكر فى معنى الجمال الحقيقى وهو أنْ يجدَ
امرأة جميلة الخلق والروح بدون أىّ قناعٍ ، حتى أذن لصلاة
العصر ، فدخلَ المسجد الحسينى ، يصلى ويبتهلُ لربه
بالدعاء ، أنْ يجدَ من تكونُ صادقة ، وتعينه على دينه....