ثانيا ممالك شمال الجزيرة العربية
مثلت اطراف شبه الجزيرة العربية الشمالية عامل جذب لكثير من القبائل العربية لما توفر بها من الماء العذب والاراضي الخصبة المجاورة للانهار في بلاد العراق وبلاد الشام وحادث انهيار سد مأرب ببلاد اليمن ليحول عددا من القبائل العربية الي الهجرة من اليمن حيث استقر جزء منها عند تلك الاطراف الشمالية للجزيرة العربية لتوفير مصادر المياه .
استقر الانباط جنوب سوريا وشمالي الحجاز (المنطقة المعروفة الان بالاردن ) وكونوا دولة قوية دخلت في صراع مع مملكة السلوقيين في بلاد الشام وفي احيان اخري مع دولة البطالمة في مصر للسيطرة علي طرق التجارة ،اتخذ الانباط من مدينة البتراء عاصمة لهم ، والتي اصبحت في القرن الاول قبل الميلاد من اهم مراكز التجارة القادمة من الجزيرة العربية ، وترتب علي ذلك ثراء الانباط وازدياد ثرواتهم .
لكن الرومان في عهد الامبراطور الروماني تراجان تمكنوا من القضاء علي سلطتها عندما ارسل حملة بقيادة كورنيليوس في سوريا فاستولي عليها وشم مملكة الانباط الي الكورة العربية او الولاية العربية الرومانية في الشام .
مدينة تدمر في ارض سوريا حاليا مدينة عربية احتلت مكانا هاما علي الطريق التجاري ما بين الشام والعراق ونسب بناؤها الي الملك سليمان وتأرجح تاريخ المملكة بين الاستقلال الذاتي او الخضوع للامبراطورية الرومانية خلال القرن الاول والثاني الميلاد ، واشتركت مع الرومان في القتال ضد الفرس وارتبطت تدمر باسم الملكة زنوبيا زوجة احد ملوكها ويدعي اذنية وقد حكمت تدمر ودخلت في صراع مع الامبراطورية الرومانية انتهي بأسرها والقضاء علي قوة تدمر في سنة 273 م.
ويجمع المؤرخون علي نسبة التدمرين الي العرب ، وان حضارتهم عربية رغم انها خليط من عناصر سورية ويونانية وفارسية .
تقع غرب نهر الفرات وتفصل العراق عن شمال شبه الجزيرة العربية وتمتاز باعتدال وصفاء جوها وخصوبة تربتها ووفرة الماء بها اما سبب تسميتها بالحيرة فمعناها المخيم .
لعبت الحيرة دورا تاريخيا هاما الي جانب الفرس الذين جعلوا منها امارة حاجزة تحميهم من غارات الاعراب والرومان كما ان الفرس استعملوها في تنفيذ اغراضهم في تهديد العرب انصار الرومان بل وضد الرومان انفسهم فاتلاريخ السياسي لمملكة الحيرة يشتمل في أكثره علي الصراع بينها وبين دولة الغساسنة حليفة الرومان .
وفي عهد حكم النعمان الثالث في حدود سنة 580م ساءت العلاقات بين مملكة الحيرة والفرس وانتهت بتمكن كسري ملك الفرس من قتل النعمان قبل ذهابه الي كسري قد أودع افراد اسرته وامواله لعربي من الحيرة يسمي هانئ بن مسعود الشيباني ، وبعد مقتله طالب كسري حملة لتأديب العرب الذين تكاتفوا لاول مرة حول قوميتهم وتمكنوا من ايقاع هزيمة قاسية بالفرس في موقعة تاريخية خالد هي يوم ذي قار علق عليها رسول الله صلي الله عليه وسلم بقوله(اليوم انتصف العرب من العجم وبي انتصروا)
وكانت الحيرة ملتقي الادباء العرب في الجاهلية وجسرا عبرت منه حضارة الفرس الي الجزيرة العربية كالاديان والمعارف والقراءة والكتابة والفنون الخربية وغيرها .
هي احدي قبائل الازد اليمنية الكبيرة التي هاجرت بعد سقوط سد مأرب وعرفوا بالغساسنة لاقامتهم حول بئر يسمي غسان بأرض البقاء بالشام ولم تكن العلاقات طيبة بين الروم والغساسنة في اول الامر وقام صراع مسلح بينهما وعندما اتضح للروم شجاعة الغساسنةاتجهوا الي استمالتهم والتحالف معهم للاستفادة منهم وقد جعل الرومان الغساسنة شبه دولة حاجزة مثل ما حدث بين الفرس وممكلة الحيرة تماما . وتوترت العلاقات في اخر الامر بين الغساسنة والرومان وكان دخول الفرس بلاد الشام في عام 613م هو الذي قضي تماما علي حكم الغساسنة ، ولكن بعد عودة هذه المنطقة الي حكم الرومان اعادوا الحكم لاحد احفاد الغساسنة وهو جبلة بن الايهم وقد كان الي جانب الرومان في معركة اليرموك علي رأس جيش من قومه.