حديث القران عن تربية الرسول صلي الله علية وسلم
http://1eman.com/vb/images/1.gif
الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله أما بعد:
تحدثنا فيما سبق عن أهمية التربية، وعن حاجة المربين إلى مزيد من البناء لأنفسهم والارتقاء بخبراتهم، وختمنا بالتأكيد على الاعتناء بهَدْي النبي صلى الله عليه وسلم في التربية من خلال التعرّف عليه وتقريبه للمربين وتطبيقه في واقع حياتهم.
وقبل أن نتحدث عن هَدْي النبي صلى الله عليه وسلم في التربية والتعليم والتوجيه، فإنّنا بحاجة أن نتعرف على المهمّة التربوية للنبي صلى الله عليه وسلم، وعلى جوانب من معالم النجاح التربوي الذي حققه المربي الأول صلى الله عليه وسلم.
لقد اختار الله تبارك وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم واصطفاه لرسالته من بين سائر خلقه، وهو القائل عز وجل: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ). (سورة القصص، الآية: 68).
لقد اصطفى الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم من خير معادن الناس وبيوتهم، وفي الحديث عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إن الله اصطفى كنانة من ولد إسمعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم". (رواه مسلم 2276).
ويحدثنا صاحبه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن هذا الاختيار والاصطفاء، فيقول: "إنّ الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه؛ فما رأى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئاً فهو عند الله سيئ". (رواه أحمد 3589).
وعلى أساس هذا الاصطفاء فقد جُبِلَ صلى الله عليه وسلم على خير ما يُجْبَلُ عليه الناس من خصائص وسمات وصفات حسنة، فلو نظرتَ إلى شخصيته صلى الله عليه وسلم مجردة عن النبوة والرسالة وقارنتَه بغير من البشر فستجده خير الناس؛ فهو خيرهم عقلاً وحلماً وصبراً وفصاحةً وشجاعة، وما من صفة محمودة في البشر إلّا وله منها صلى الله عليه وسلم أوفر نصيب، وما من صفة مذمومة في البشر إلا وهو صلى الله عليه وسلم أبعد الناس عنها، فقد اختير من خير معادن الناس، ثم زكاه ربُّه وعلمه، وأنزل عليه وحيه فهو أعظم الناس انتفاعاً بهذا الوحي المبارك.
وإنّنا مهما سعينا أو بذلنا جهدنا، وتفاصحنا وزوقنا الأقلام وأبلغنا الحديث، ومهما أوتي المتحدث من بلاغة وفصاحة، ومهارة في التعبير، فليس هناك أصدق في الحديث عن شخصية المربي الأول صلى الله عليه وسلم من القرآن الكريم. فهو كلام الله تبارك وتعالى الذي خلق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم واصطفاه واختصه برسالته.
إنّ آيات القرآن الكريم قد تنوعت في دلالتها على بيان الجانب التربوي في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك:
أولاً: أخبر الله تبارك وتعالى أنه اختار الأنبياء بشراً يعيشون مع الناس، ويمشون في أسواقهم، ويأكلون معهم الطعام، يقول تعالى: (وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا(. (سورة الفرقان، الآية:20)
وأنكر القرآن على المشركين اعتراضهم على بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم، ومطالبتهم بجعله ملكاً فقال عزّ وجل: (وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ. وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ). (سورة الأنعام، الآيات: 8- 9)
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "ثم قال تعالى منبهاً على لطفه ورحمته بعباده أنه يبعث إليهم الرسول من جنسهم ليفقهوا عنه ويفهموا منه لتمكنهم من مخاطبته ومكالمته، ولو بعث إلى البشر رسولاً من الملائكة لما استطاعوا مواجهته ولا الأخذ عنه، كما قال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ). (سورة آل عمران، الآية: 164.)". أ. هـ ( تفسير ابن كثير 3/ 65)
ولهذا عاش صلى الله عليه وسلم مع الناس ببشريته؛ يصيبه المرض والألم، ينام ويستيقظ، يتذكّر وينسى، وهو القائل: "إنّما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون". (رواه البخاري 401، ومسلم 572).
وهو القائل أيضاً: "إنّما أنا بشر؛ وإنكم تختصمون إلي، ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذ، فإنّما أقطع له قطعة من النار". (رواه البخاري 2680، ومسلم 2680).
ثانياً: أخبر الله تبارك وتعالى أنّ التربية من وظائفه التي بُعِثَ من أجلها صلى الله عليه وسلم، فحين كان إبراهيم وإسماعيل عليهما صلوات الله وسلامه يبنيان البيت العتيق سألا الله تبارك وتعالى لهذه الأمة أن يبعث فيها من يقوم بهذه المهمّة: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ). (سورة البقرة، الآية:129).
وامتن الله تبارك وتعالى على الأمة أن بعث فيها هذا الرسول الكريم فقال: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ). (سورة البقرة، الآية:151).
وقال سبحانه وتعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ). (سورة آل عمران، الآية: 164).
وأخبر تبارك وتعالى أنه بعثه في أمة أميّة ليؤدي هذه الوظيفة والمهمة فقال: ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ). (سورة الجمعة، الآية: 2).
ففي هذه الآيات بيان أنّ من حِكَمِ بعث الرسول صلى الله عليه وسلم تلاوة آيات الله، وتعليم الكتاب، وتعليم الحكمة، وتزكية الناس.
وتعليم الكتاب والحكمة ليس بمجرد تلاوة الآيات، أو إلقاء الحديث على الناس ليحفظوه، بل هو يتطلب تقديم هذا العلم بصورة تحقق لدى الناس حسن تعلمه وتلقيه، وهذا ماكان متحققاً لدى النبي صلى الله عليه وسلم في طريقة تعليمه لأصحابه، وسيأتي تناول جوانب من ذلك في حلقات مقبلة بإذن الله تعالى.
وبالإضافة إلى تعليم الكتاب والحكمة، فمن حِكَمِ إرساله صلى الله عليه وسلم التزكية، وقد تنوعت عبارات المفسرين في بيان معنى التزكية، لكنها تدور في إطار متقارب، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "ويزكيهم: أي يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر لتزكو نفوسهم وتطهر من الدنس والخبث الذي كانوا متلبسين به في حال شركهم وجاهليتهم". أ.هـ. (تفسير ابن كثير 1/ 425).
وقال أيضاً رحمه الله: "ويزكّيهم: أي يطهرهم من رذائل الأخلاق ودنس النفوس وأفعال الجاهلية، ويخرجهم من الظلمات إلى النور". أ.هـ. (تفسير ابن كثير 1/ 197).
وقال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله: "بالتربية على الأعمال الصالحة والتبري من الأعمال الردية التي لا تزكو النفوس معها". أ.هـ. (تفسير السعدي 1/ 66).
والتزكية النبوية تتحقق لأولئك الذين تشرّفوا بصحبته صلى الله عليه وسلم والتلقي منه، وتتحقق لمن بعدهم بالرجوع لسنته وهَدْيِه صلى الله عليه وسلم.
ثالثا: وصفَ القرآنُ الكريم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بأوصاف المربين، ومن ذلك وصفه باللين والبعد عن الغلظة: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).( سورة آل عمران، الآية: 159).
وأيضاً وصفه سبحانه بالرحمة والحرص على المؤمنين، والبعد عن العنت عليهم، فقال سبحانه وتعالى: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ). (سورة التوبة، الآية: 128
اريد منكم الدعاء