من المسئول عن كل هذا ؟؟ من ؟ من ؟ !!!
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من السبب!!!
جلس رجل الأعمال المليونير الكبير في شرفة فندق الأوراس المطل علي البحر المتوسط بالجزائر وظل يتفكر في حياته ، لقد قضي حياته كلها باندفاع بحثاً عن المال والصفقات في كل أنحاء العالم حتي أصبح مليونيراً . . . وهو يذكر جيداً أن الليالي التي قضاها من عمره في فنادق العالم أضعاف الليالي التي قضاها في بيته . . . وتذكر المليونير أسرته . . . زوجته الصغيرة الجميلة ، وابنه الذي سيأخذ الشعلة منه ، ويدير شركاته وأعماله ، وأخذ رجل الأعمال يتذكر في اي سنة دراسية يكون ابنه ، فلم يعرف ، كل الذي يدريه أن ابنه بكلية الهندسة . . . وأثناء هذه الأحلام . . . دق جرس التليفون في غرفته . . . وكانت المكالمة من القاهرة . . . والمتحدث علي غير العادة شقيقه :
قال له : احضر فوراً . . . زوجتك تحتضر . . .
فقال المليونير : انقلها فورا بالطائرة إالي أوربا . . . أريد أن تعيش . . . وبكي رجل الأعمال لأول مرة فلقد تبخرت آماله في لحظة . . . ولكنه سيضع كل ثروته مقابل أن تعيش زوجته . . .
وفي مطار القاهرة كان شقيقه الأكبر في انتظاره لم يكن قد رآه منذ سنوات فلقد كان مشغولاً حتي عن زيارته لشقيقه الوحيد . . . فلما سلم عليه
قال له : تماسك لقد ماتت متأثرة بجراحها . . . وبكي . . . بكي طويلاً . . . ووسط دموعه
سأل شقيقه : كيف ماتت . . . وأين هي ؟ . . .
قال : في المشرحة . . .
قال الزوج : المشرحة ؟ ! !
قال : نعم ، والجنازة غداً . . أجَّلناها حتي تكون من مودعيها . .
قال رجل الأعمال : وأين ابني ؟
قال : لم يتمكن من الحضور - حزين عليها - طبعاً ،
وساد صمت رهيب ، رجل الأعمال شارد في ماضيه شريط طويل من الذكريات معها ، كانت معه كالنسيم واتجه شقيقه بالسيرة في اتجاه غير اتجاه قصر رجل الأعمال
فقال له : إلي أين ؟
فقال الأخ : إلي بيتي أولاً . . .
قال : لماذا ؟ هل تُخفي شيئاً ؟
قال شقيقه : لا ، ولكن أرجوك لا تعارضني وبكي شقيقه ،
ودخل الشقيقان في غرفة الصالون وأُغلق عليهما الباب . .
فقال رجل الأعمال : أشعر أن هناك أمراً أعظم من الموت
فقال شقيقه : المأساة قاسية . . لا تُصدَّق . . لقد اتصل بي ضابط الشرطة وطلب مني الحضور للقسم فوراً . . وذهبت فوجدت ابنك ممزق الثياب وعلي ملابسه بقع من الدماء . . وفي حالة ذهول يجلس علي الأرض وكاد قلبي يتوقف وسألت . . ماذا جري ؟ . . فنظر إليّ ابنك وارتمي علي صدري وظل يبكي ويبكي ثم سألت الضابط ، فقال لي جملة سقطت بعدها فاقد الوعي . قال : البيه المدمن قتل أمه ! وصرخ رجل الأعمال وهو يستمع إلي شقيقه . .
وقال بكلمات صادرة من قلب مكسور . . آه . . لقد انتهت حياتي .
وبدأ الأب في متابعة سماع المأساة . . إن ابنه الوحيد طعن أمه بسكين المطبخ حتي ماتت ثم ذهب إلي قسم الشرطة وقال جملتين فقط : أنا فلان ابن فلان . . قتلت أمي بهذا السكين . . ورفض أن يتكلم بعدها . . كما رفض الإجابة علي أي سؤال . . وفتشوه فوجدوا تذكرة هيروين وأمرت النيابة بتشريح الجثة ثم صرحت بدفنها . . هذه هي المأساة .
قال رجل الأعمال : لماذا قتلها ؟
قال شقيقه : لا أحد يعرف حتي الآن ،
وانتهت مراسم الجنازة وودع الرجل زوجته حتي القبر ، وخلال ذلك فشلت الصحافة والشرطة والنيابة في معرفة الدافع لهذه الجريمة التي فاقت كل حد .
وحللت إحدي الصحف الجريمة فقالت : ((هذا الشاب يرفض الحديث ، هو لا شك مدمن هيروين حيث عُثر معه علي كمية ضئيلة منه وكان في حاجة إلي المال ، فطلبه من والدته الثرية زوجة المليونير فرفضت فهددها بالسكين فلم تتصور - وهي الأم - أن يرفع ابنها السكين عليها ، فأصرت علي الرفض فنفذ تهديده وقتل أمه . . وعندما سلم نفسه إلي الشرطة كان في حالة وعي من هول المأساة فشعر بالندم فسكت انتظاراً لحبل المشنقة . . هذا تصورنا للحادث الذي هز المجتمع وكثرت تفسيراته أمام صمت الشاب القاتل الذي فُصل من كلية الهندسة حيث عاش أسير الهيروين )). . .
قرأ المليونير هذه المقالة في الصباح قبل أن يذهب إلي ابنه وسأل نفسه : أين كنت يا رجل الأعمال ؟ وأنت لا تدري ؟ . . ليت هذه الأموال التي جمعتها تضيع كلها وتعود لي أسرتي . .
وذهب الرجل إلي ولده . . . وكان لقاءً مؤثراً بين الوالد وابنه . . بعد أن أغلق الحارس الباب عليها وساد صمت قطعه الابن حين ارتمي في أحضان أبيه قائلاً أرجوك ضمني إلي صدرك بشدة أكثر . . أحتاج إلي هذا محروم منه . . ما أقسي الحياة . . آسف لم أكن في وعيي ، عاد لي الوعي عندما خرجت نافورة الدم الأولي من جسد أمي . . أبداً لم تكن تستحق هذا . . دعني لأبكي علي صدرك ، فلم أكن أعرف الدموع . .
ورجل الأعمال لا يدري ماذا يقول . . هل يتعاطف مع ابنه الذي قتل شريكة حياته ؟ لقد أحدث هذا الوقف خللاً في مشاعره . . . بل زلزالاً في هذه المشاعر .
وبدأ الشاب يروي لوالده : لقد عرفت الهيروين للتسلية والجنس ولكنه قتل فيَّ كل شىء . . الطموح والخُلق ، ودفعني وأصحابي من المدمنين إلي الجريمة . . سرقنا . . . كم سرقت من أمي ؟ وكم هي اتهمت الشغالة ؟ . . حتي عرفت أنني أتعاطي الهيروين وهددتني بأنها سوف تبلغك إن لم أتوقف ، فادعيت لها أنني توقفت . . . ولكن كل تصرفاتي تفضحني وزادت حاجتي للمال لشراء الهيروين وطلبت مني أمي أن أدخل إحدي المصحات للعلاج ورفضت ، وبندم شديد قال : حتي كان يوم الجريمة ، كنت في حاجة ماسة إلي المال لأشتري هيروين ، وطلبت منها ألف جنيه وأخبرتها أنني صدمت سيارة بسيارتي ولكنها رفضت وإذا بالحاجة إلي الهيروين تدفع رأسي بفكرة جنونية ، هددتها بأنها إذا لم تفع لي الألف جنيه فسأخبرك بأنها علي علاقة برجل . . . فصفعتني وبصقت في وجهي . . . وإذا بهذه الفكرة الجنونية الكاذبة تتحول إلي شبه واقع أمامي أن أمي حقاً علي علاقة برجل آخر ، هكذا صور لي الهيروين الوهم حقيقة وتضخمت الأمور أمامي . . وتصورت ما يحدث بين العشيق وعشيقته ، والعشيقة هي أمي .
إذاً هذه المرة يجب أن تموت . . وأسرعت إلي المطبخ . . وجئت بالسكين وطلبت الألف جنيه من هذه الخائنة فرفضت فكانت الجريمة البشعة . . وماتت أشرف امرأة في الوجود . . وما أن انتهي الشاب من سرد روايته إلي والده إذ بأبيه يخرج من الغرفة دون كلام أو وداع ونادي الولد علي والده ، فلم يرد الوالد ، ثم نادي مرة . . ومرة . . ومرة . .
قائلاً : أنت السبب . أنت السبب
وظل الشاب المدمن يقول إن والده هو السبب وهو الذي دفعه لكل هذا لعدم رعايته له . . . الشاب لم يٌُقدَّم للمحاكمة لقد فقد البقية الباقية من عقله . . تم إيداعه مستشفي الأمراض العقلية . . وهو يقول لكل من يقابله : أنت السبب أمي أشرف امرأة في الدنيا . . أمي أشرف امرأة في الدنيا . . .
في حي الدقي يوجد مسجد في ميدانه عندما تدخله لتأدية الصلاة ستجد بداخله رجلاً يرتدي جلباباً أبيض ويضع أمامه كتاب الله يقرأ فيه وعندما ينتهي من التلاوة يرفع كفيه إلي السماء : اللهم اغفر لي وسامحني يا رب العالمين ،
هذا الرجل هو نفسه رجل الأعمال . . الذي تبرع بكل ما يملك لإدارة مكافحة المخدرات . . . وأخذ من بيت الله مكاناً كي يرحمه . . . وعندما تؤدي الصلاة بجواره سيصافحك بحرارة ويطلب منك بلطف وأدب أن تعطيه من وقتك القليل وسوف يروي لك هذه القصة بكل تفاصيلها وسيبكي كثيراً وهو يسرد القصة ثم سيطرح عليك سؤالاً محيراً ؟ من المسئول عن كل هذا ؟ من ؟ من ؟ .
قال الله تعالي
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)) - التحريم : 5 -
وكما قال (صلي الله عليه وسلم) : (( احفظ الله يحفظك )) .
منقول من كتاب( ساعة وساعة نوادر وعجائب) للشيخ : محمود المصري( ابو عمار)
