المنطق هو .. إن الواحد يقع على الأرض مايحطش > منطق, على رأى مرسى الزناتى

[احمد عبد الحليم]

من كام ساعه كنت بتفرج على مسرحية " مدرسة المشاغبين "
بعد معاناه عشان الصوت ماكنش عايز يشتغل وفضلت ادور وادعبس لغاية مالقيت كودك لولبى ابن حلال وقدرت اشغل الصوت !
وجه المشهد العالمى اللى حصد جميع جوائز الاوسكار متفردا

مشهد مرسى باشا الزناتى عن " المنطق"!

تقريبا ده واحد من أشهر المشاهد في تاريخ المسرح المصري.. ولو دققت النظر فيه شوية هتكتشف إنه مش مشهد مسرحي كوميدي وبس.. لأ سيادتك.. ده تقريبا بيعبر عن حال شعب بحاله! مش مصدقنا وحاسس إن الكلام كبير؟

طيب تعال نشوف المشهد ونتكلم بعدها..

***

تدخل أستاذة "عفت -سهير البابلي" إلى داخل الفصل الذي يضم أكثر خمسة طلاب مشاغبين في المدرسة والذين يتزعمهم "بهجت الأباصيري- عادل إمام"، يشاكسها الطلاب ويضيقون عليها الخناق.. تحاول أن تسيطر على النظام داخل الفصل المعجون بمية عفاريت.. أخيرا تنجح في ذلك.. يجلس الطلاب في أماكنهم.. تمسك هي بالكتاب..

تطلب من المشاكس الأكبر ذي اللسان الطويل "مرسي الزناتي- سعيد صالح" أن يقف حتى يجيب عن السؤال الصعب:

تعرف إيه عن المنطق؟!

لا يحتار "الزناتي" كثيرا في الإجابة، ولا يرهق نفسه للحظة واحدة في التفكير أو في ترتيب الأفكار أو حتى استدعاء أي معلومة، بسرعة الرصاصة يرد:

هو إن الواحد يقع على الأرض مايحطش... منطق !! - بفتح الطاء طبعا زى مانتو عارفين

يرتج المسرح كله بالضحك، وتمتلئ عيوننا بالدموع من كثرة الضحك، ويمسك أحدنا جانبه الأيمن متألما من عدم قدرته على أن يمنع نفسه من القهقهة بصوت عال..

***

طبعا المشهد كوميدي بالفعل.. وكل مرة الواحد بيشوفه بيضحك من قلبه
بس تعال نعمل حاجة مع بعض ممكن نسميها "التفسير الماورائي للمشهد"!

ماتتخضش من الكلام المكلكع ده..
كل ما هنالك إننا هنحاول نطلع من المشهد ده بدلالات ونتائج مختلفة عما هو ظاهر..
يعني اللي ظاهر إن "مرسي الزناتي" دمه خفيف.. وإنه بيحاول يخرج من الموقف الصعب اللي اتحط فيه بفهلوة..

لكن اللي في الباطن بقى حاجة تانية..


عد معانا..

"مرسي الزناتي"..
بيحاول "يفتي" في الموضوع اللي ماعندهوش عنه أي فكرة خالص..

"مرسي الزناتي"..
لا يكتفي بكونه لا يعرف.. وإنما يجادل فيما يقوله وهو عارف إنه غلط أساسا!

"مرسي الزناتي"..
بيتكلم بثقة العالم، وبيقين العارف ببواطن الأمور، ويتحدث عن المنطق وكأنه "أرسطو" ذاته رغم أنه لا يعرف عن المنطق سوى أن الواحد من دول بيقع فمايحطش "منطق"!

اللطيف بقى إن شخصية "مرسي الزناتي" خرجت من المسرح اللي كان بيعرض مسرحية "مدرسة المشاغبين" إلى مسرح أكبر بكتير هو -تقريبا- كل مساحة جمهورية مصر العربية!

وفي كل حتة بتروحها في مصر سيادتك تلاقي لك واحد "مرسي الزناتي" طالع في وشك!

ودايما تلاقيه فاهم وعارف في كل حاجة...

تكلمه عن مستقبل الحياة السياسية في مصر..
شغال!

عن الوضع في الشرق الأوسط بعد حرب لبنان..
شغال!

عن الأسباب التي جعلت "فلافيو" ينتفض ويجيب 3 أجوان في 5 أيام بعد ما قعد سنة كاملة مايجيبش ولا جون...
برضه شغال!

يحكي لك عن أسباب نجاح "محمد سعد" في حصد الإيرادت..
وأسباب تزايد نسبة الطلاق في مصر..
أسباب تصادم القطارات في مصر..
وتساقط أوراق الشجر في الخريف..
وتفتح الزهور في الربيع..
والسحابة السوداء..
و... و... و...

في كل حاجة تلاقيه واقف وفارد صدره وبيتكلم بثقة ومعرفة تجعلك تتساءل..

هو ازاي الراجل ده ماخدش "نوبل" لغاية دلوقت!!


الكارثة إنه بيتكلم في كل الحاجات دي وهو أساسا ماعندهوش خلفية عن أي حاجة خالص..
بس هو بيعتمد على الصوت العالي وبس.. وتلاقيه برضه بيسخر من آرائك ويرفض أن يسمعها.. فتتنرفز إنت.. فتزعق.. فيزعق.. هوب تقوم خناقة.. لأن "مرسي الزناتي" بيتكلم عن "المنطق" يا رجالة!

صدقونا دي واحدة من أكبر المشاكل اللي بنواجهها رغم أنها قد تظهر للبعض وكأنها عادية أو تافهة..

المشكلة الكبرى..
أن لا أحد يقرأ أو يهتم بأن يعرف معلومات صحيحة قبل أن يتكلم في أي موضوع.. مافيش أي أساس عنده من المعرفة ومع ذلك بيتكلم ويقول ويبعبع!


كام مرة..
دخلت في حوار ونقاش تقول فيه أحلى كلام وإنت أصلا ماتعرفش الناس بتتكلم عن إيه أساسا؟!

كام مرة..
قلت رأيك في قضية علمية بحتة وأنت تنظر إلى السماء لتتأمل النجوم المتلألئة وكأنك "أينشتين" بعث من قبره من جديد، وأنت أصلا ماتعرفش عن "الذرّة" سوى أنها كوز "درة"!

كام مرة..
تكلمت في السياسة وكأنك "محمد حسنين هيكل" وتناقشت في جذور القضية الفلسطينية ومشاكلها وأنت أصلا ماتعرفش إن فلسطين محتلة من سنة 1948!

طبعا احنا لا ندعو إلى أن تنخرس عن الكلام وماتحطش "منطق"! بل بالعكس ياريت اللي عنده حاجة يقولها... بس يقولها عن فهم ومعرفة ورغبة في أن يتقبل رأي الآخر.. مش عن جهل وعند وجر شكل!

تفتكروا كلامنا ده صح فعلا...
وإن "مرسي الزناتي" فعلا أصبح منتشر في حياتنا..

ولا كلامنا ده مالهوش أساس..
ولا منطق؟!