تاريخ الأستشعار عن بعد

[samomran]

في الرابع من اكتوبر عام 1957 كان الجنس البشري على موعد مع الحدث الذي سيعيد رسم مسارات مستقبله، ففي السابع من صباح هذا اليوم أنطلق صاروخ سوفييتي الصنع من طراز ر- 7 – سميوركا حاملاً على متنه أول قمر صناعي في التاريخ، أطلق على هذا القمر الصناعي أسم سبوتنيك -1.

وبحلول مساء هذا اليوم ، أمسى الفضاء تخوم للأرض.


وتتابعت المركبات الفضائية وتنوعت أشكالها وفاقت إنجازات تكنولوجيا أستكشاف الفضاء أكثر شطحات كتاب الخيال العلمي جراءة. ومع كل مركبة كانت تشق طريقها إلى تخومنا الفضائية، كان سطراً جديداً يضاف إلى مستقبنا العلمي والتنقي. ومن بين ألمع هذه السطور ألمح عبارة "الأستشعار من بعد".


ما هو الاستشعار من بعد
الاستشعار من بعد هو لفظ يجمع بين العلم والتقنية في أطار يسعى لأستخدام البيانات المتعلقة بالظواهر الجغرافية فوق سطح الأرض والمجموعة بواسطة معدات بعيدة عن هذه الظواهر. وتحت هذه المسمى تنضوي الدراسات العلمية المتعلقة بتصميم المعدات المستخدمة في الاستشعار من بعد وأساليب تخزين واسترجاع وتفسير البيانات التي تجمعها هذه المعدات والتطبيقات التي يمكن أن تستغل فيها مثل هذه البيانات.

حتى يمكننا أن نفهم الفكرة البسيطة التي تقبع خلف التفريعات المختلفة والدراسات المعقدة للاستشعار من بعد، سوف نحاول أن نقارن بين الاستشعار من بعد وأقرب الظواهر الطبيعية التي نستطيع أن نفهمها بسهولة. لنتخيل العين البشرية، العين البشرية تلعب من خلال عملية الأبصار ذات الدور الذي تلعبه المعدات في عملية الاستشعار من بعد، ففي الأبصار يسقط الضوء فوق الأجسام حيث يتفاعل مع هذه الأجسام، فيمتص قسم من الضوء ويرتد عن الأجسام القسم المتبقي والذي يحمل المعلومات البصرية عن هذه الأجسام وأهمها اللون. يصطتدم الضوء المرتد عن الأجسام بالعين البشرية حيث ينقل عبر منظومة كهروعصبية المعلومات التي يحملها إلى المح البشري والذي يقوم على الفور بتفسير هذه المعلومات ليتعرف على الخصائص البصرية لهذه الأجسام من شكل ولون.


لا تختلف عملية الاستشعار من بعد عن عملية الأبصار شريطة أن نتجاهل إعجاز تركيب العين والنظام الكهروعصبي الناقل للبيانات وعمليات تفسير البيانات في المخ مقارنة بالتقنية الساذجة المستخدمة في عملية الاستشعار من بعد. ففي الاستشعار من بعد توجد المعدات التي تلعب دور العين في موضع بعيد عن الظواهر الجغرافية موضوع الدراسة، وتحمل هذه المعدات اسم المجسات. وفي الطرف الآخر من العملية يوجد مصدر للطاقة في معظم الاحوال يتمثل في الشمس. تصب الشمس الضوء على الظواهر الجغرافية كما تصب شلالات من الأشعاعات المشابهه في الميكانيكية الفيزيائية مع الضوء والمخالفة في الوصف الفيزيائي له، ويستخدم العلماء مصطلح الأشعاع الكهرومغناطيسي للدلالة على كل هذه الأشعاعات التي لها نفس السلوك الفيزيائي وتشتمل على الضوء المنظور بالعين المجردة والأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية والأشعة الميكروية والرادار والأشعة السينية وغيرها. عندما يسقط هذا الشلال من الأشعاع الكهرومغناطيسي على الأجسام الموجودة فوق سطح الأرض، فإن هذه الأجسام تتفاعل فيزيائياً مه الأشعاع الكهرومغناطيسي بطرقة من ثلاثة. فهناك قسم من هذه الأشعة يتم أمتصاصه بواسطة الأجسام وقسم آخر يقوم بأختراق الأجسام بينما ينعكس القسم الثالث عن هذه الأجسام. وهذا القسم المنعكس هو ما يتم رصده وتسجيله بواسطة المجسات.

جميع الأجسام تتفاعل مع الأشعاع الكهرومغناطيسي بإحدى الطرق الثلاثة المذكورة أو بمزيج منها، ويعتبر الأشعاع الكهرومغناطيسي المنعكس مميز للجسم الذي أنعكس عنه لذلك يسمى في كثير من الأحيان بالبصمة الطيفية. وتستخدم هذه البصمة الطيفية في أستنتاج ما هية الأجسام التي تظهر في بيانات وصور مجسات الاستشعار من البعد


من الأرض إلى السماء إلى الفضاء
بالرغم من ميلي الشخصي لاستخدام لفظ الاستشعار من بعد على تلك العمليات التي يتم جمع البيانات عن الظواهر الأرضية بأستخدام مجسات محمولة على متن منصة فضائية، إلا أن الكثير من الكتب الدراسية تتوسع في مفهوم الاستشعار من بعد ليضم أي مجس لظواهر سطح الأرض على أي بعد من هذه الظاهرة حتى ولو كان على بعد عدة أمتار. وبهذه الطريقة تتنوع المنصات الحاملة لمجسات الأستشعار من بعد لتشتمل على البالونات والمناطيد والمقذوفات والطائرات والمركبات الفضائية سواء المدارية أو غير المدارية.

عيون في السماء
تعتبر الأقمار الصناعية أهم المنصات الحاملة لمجسات الاستشعار من بعد، ومرجع ذلك أنها تؤمن عبر حركتها الدؤوب في مداراتها سلسلة زمنية من الصور التي تمثل سطح الأرض ذات مساحة ودقة محددة وثابتة. وذلك بعكس غيرها من المنصات كالطائرات مثلا، التي كثيرا ما تحتوي بياناتها على تشوهات بسبب اضطراب طيرانها.

في كل لحظة في اليوم تمر فوق رؤوسنا عشرات الأقمار الصناعية التي تصور الأرض وترصدها ليل نهار. بعضها قادر على تصويريك صورة شخصية صالحة للاستخدام في رخصة القيادة او تحقيق الهوية.

أقدم هذه الأقمار الصناعية تاريخاً هي سلسلة الأقمار لاندسات الأمريكية التي أطلق أولها عام 1972 وحمل يومئذ أسم Erts-1 ثم أعيد تسميته ليصبح Landsat-1 وقد وفرت هذه السلسلة ارشيف عملاق من البيانات التي تغطي سطح الأرض كله، وتستخدم في الدراسات العمرانية والبيئية والزراعية والمناخية. وفي عام 1999 اطلق القمر الأخير من هذه السلسلة Landsat-7 والذي لا زال بالمدار. يعتبر مستقبل السلسلة لاندسات غامضاً ويرجح الكثير من الباحثين أنه سوف يتم إلغاءها والأستعواض عنها بالمنظومة EOS التي تضم عدد كبير من الأقمار الصناعية متعددة الأغراض.

وعلى ذات نسق السلسلة Landsat حاكت الكثير من الدول أنظمة خاصة بها للأستشعار من بعد، فأطلقت فرنسا بمساهمة رمزية من بعض دول الإتحاد الأوربي سلسلة الأقمار الصناعية SPOT عام 1986 لحقتها الهند عام 1989 باطلاق سلسلة الأقمار الصناعية الخاصة بها المسماة IRS.

القمر الصناعى الفرنسى سبوت

القمر الصناعى الهندى IRS
وبإنتصاف عشرينات القرن العشرين ركز مصنعي مجسات الاستشعار من بعد على زيادة الدقة البصرية لمجساتهم، ومن ثم ظهرت مجموعة من الأقمار الصناعية ذات الدقة المساحية الهائلة مثل OrbView الذي أطلق عام 1995 و Ikonos الذي لحقه عام 1999.

أهرام الجيزة - صورة للقمر الصناعي IKONOS-1 في 11 نوفمبر 1999
وتحاول بعض الدول العربية الدخول في مضمار الأقمار الصناعية المخصصة للأستشعار من بعد، فقامت الجزائر بالتعاون مع المملكة المتحدة بتصنيع وإطلاق قمرها الصناعي السات -1 في نوفمبر 2001 والثاني السات-2 في ديسمبر 2006، ولحقهم المصريين بإطلاق قمرهم الصناعي الأول المسمى Egyptsat-1 بمعونة من أوكرانيا في ابريل 2007 وهم يخططون الآن لإطلاق قمر صناعي من ذات السلسيلة يحمل اسم Egyptsat-2 وثالث متخصص في الاستشعار من بعد للظواهر الصحراوية باسم Desertsat.

صورة لمنطقة ساحلية من القمر الصناعي الجزائري السات -1

القمر الصناعي المصري لاندسات -1
الاستشعار من بعد في الحلبة
الاستشعار من بعد تقنية غير رخيصة، ويعتقد البعض أنها لا تناسب دول العالم النامي. في هذه الرؤية جانب من الصواب وجانب آخر جانبه الصواب. فالاستشعار من بعد هي تقنية حقاً غير رخيصة، ولكن تلكفة بناء الأقمار الصناعية وتشغيلها والحصول على البيانات وتحليلها أخذ في النخفاض، فعلى حين بلغت تكلفة القمر الصناعي Landsat-1 نحو ملياري دولار، فإنه اليوم يمكن بناء قمر صناعي بتكلفة لا تزيد عن عشرة ملايين من الدولارات وضعفيها لأطلاقه. وبعض الدول النامية أعتبرت تقنية الأستشعار من البعد نوع من الاستثمار التقني، فها هي اليوم الهند تقوم بتسويق نفسها لتصنيع الأقمار الصناعية للدول النامية بتكلفه أقل من تلك التي تطلبها الدول الكبرى وتروج لمنتاجت أقمار الصناعية لبدائل منافسة لمنتجات انظمة الاستشعار من بعد الغربية. وأخيراً فإن جانب الفخار الوطني هو الذي يدفع العديد من الدول إلى محاولة دخول نادي الاستشعار من بعد.

من الجانب الثاني فإن هذه التكلفة المرتفعة تؤمن مردود عالي كأستثمار إذا نظر إليها من جانب ما تستخدم فيه بيانات الاستشعار من بعد في التطبيق. فهناك عشارت التطبيقات التي يتم توظيف الاستشعار من بعد فيها مثل التخطيط العمراني وادارة الموارد الطبيعية ومكافحة حرائق الغابات وإدارة الكوارث الطبيعية وغيرها من التطبيقات. ويكفي أنه أصبح من الممكن تحديث خرائط دولة متوسطة المساحة مثل مصر خلال فترة زمنية تقل عن العام باستخدام بيانات الاستشعار من بعد بعدما كان يستلزم مثل هذا العالم عقوداً بالطرق التقليدية



المراجع
موقع برنامج لاندسات http://landsat.gsfc.nasa.gov/

Lillesand, T. & Kiefer, R & Chipman, J (2007) "Remote Sensing and Image Interpretation", John Wiley & Sons

Estes, J. (2000) "Some Important Dates in the Chronological History of Aerial Photography and Remote Sensing", Armature Aviator, Vol. 12, No. 7, pp. 64-72