السلام عليكم
ربما يكون عنوان الموضوع غريبا علي مسامع الاعضاء ويتسائل بعضهم ما علاقة نهر النيل بالمساحة البحرية؟
أعتقد أن الترجمة العربية لمصطلح Hydrographic Surveying هي السبب في هذا الالتباس ! فكلمة Hydrographic تتكون أساسا من مقطعين: hydro بمعني مائي و graphic بمعني رسم وبالتالي فأن مصطلح Hydrographic Surveying يكون معناه العربي هو "المساحة المائية" وليس المساحة البحرية. ومن هنا لا يكون هناك أي سوء فهم عندما نقول "المساحة المائية لنهر النيل" أي اجراء القياسات المساحية لتحديد أعماق المياه لنهر النيل.
بفضل الله تعالي كان لي الشرف أن أشترك منذ سنوات قليلة في مشروع قومي - أعتقد أنه مازال مستمرا وفي مراحله النهائية الان - لتحديث الخرائط الطبوغرافية و الهيدروجرافية لنهر النيل و فرعيه ، وهو المشروع الذي ينفذه معهد بحوث النيل التابع للمركز القومي لبحوث المياه الذي أتشرف بالانتماء اليه. الهدف الاساسي لهذا المشروع هو انتاج خرائط رقمية دقيقية و حديثة لنهر النيل: خرائط هيدروجرافية لاعماق النهر + خرائط طبوغرافية لضفتيه. ولذلك فقد تم تطبيق عدد من تخصصات علم المساحة مثل: المساحة الهيدروجرافية ، المساحة الطبوغرافية ، المساحة الجيوديسية ، نظم المعلومات الجغرافية.
تكونت أعمال المساحة الهيدروجرافية في هذا المشروع القومي من اجراء قياسات لاعماق النيل من أسوان و ختي رشيد و دمياط. أعتمد النظام الجديد (لاول مرة في مصر) علي وجود جهاز جس الاعماق echo sounder وجهاز GPS لتحديد مواقع النقاط التي يتم عندها قياس العمق ، وكلا الجهازين متصلين بحاسب الي في داخل المركب. وبالتالي فمن GPS يتم الحصول علي الاحداثيين الافقيين X and Y ومن جهاز جس الاعماق نحصل علي الاحداثي الرأسي Z لكل نقطة مرصودة ويتم تخزين الاحداثيات الثلاثة علي الكمبيوتر في نفس اللحظة.
أما المساحة الجيوديسية في المشروع فتكونت من انشاء شبكة ثوابت أرضية مساحية عالية الدقة باستخدام تقنية GPS بحيث يتم انشاء نقطة كل 5 كيلومتر علي كلتا ضفتي النهر. كما يتم رصد منسوب كل نقطة (عن مستوي متوسط سطح البحر) ، مع اجراء ضبط متكامل unique adjustment لكل نقاط الشبكة و ربطها علي الشبكة القومية المصرية لنقاط GPS في مصر ، وذلك بهدف الحصول علي نقاط ثوابت مساحية عالية الدقة علي امتداد نهر النيل و فرعيه.
ولانشاء خرائط طبوغرافية (أو كنتورية) للاراضي علي ضفتي النيل فقد تم استخدام أساليب GPS الهندسية عالية الدقة وخاصة post-processing technique للحصول علي احداثيات و مناسيب الارض لمسافة تمتد 1 كيلومتر علي كلا ضفتي النهر.
كما تم تطبيق تقنية نظم المعلومات الجغرافية GIS لتجميع البيانات (الهيدروجرافية و الطبوغرافية) في اطار واحد وتطوير قاعدة بيانات رقمية وخرائط رقمية أيضا لنهر النيل و ضفتيه.
أذكر أننا في الندوة الاولي التي عقدها معهد بحوث النيل لهذا المشروع الرائد أن أهم ملاحظة ذكرتها احدي الحاضرات في الندوة أن أهم نقطة ايجابية للمشروع - من وجهة نظرها - أن هذا المشروع الضخم والذي يستمر 4 سنوات وبتقنيات حديثة ودقة عالية ويتم تنفيذه بأيدي مصرية دون اللجوء لاي خبرة أو شركة أجنبية والتي كانت ستضاعف تكلفة المشروع أضعافا مضاعفة!. وأعتقد أنها فعلا نقطة مهمة جدا تبين المعدن و الارادة المصرية التي نتناساها أحيانا.
مجرد نبذة سريعة عن مشروع مصري مائة بالمائة سيكون له فوائد علمية و عملية ضخمة ان شاء الله تعالي.
المفضلات