هذا المقال اعجبنى وهو منقول عن هشام نعمه وذلك اردت عرضه على حضراتكم
من الأمور المسلم بها، أن العمران الحضري، في العالم العربي، يعود إلى تاريخ قديم، حيث ترجع نشأة بعض المدن إلى عدة آلاف من السنين. ففي بلاد ما بين النهرين ومنذ منتصف الألف الرابع قبل الميلاد وجدت المدن. ولم تشهد هذه المنطقة قيام أول حضارة في التاريخ فقط بل كانت هذه الحضارة ذات مجتمع أكثر حضرية (مدينية) في زمنها.
وقد شهد التاريخ ظهور عدد كبير من المدن التي أدت أدواراً مركزية في المجالات العسكرية والتجارية والدينية، وشهد نموها وتدهورها. وبعد انتهاء الفتوحات الرئيسية بدأ عصر جديد في الاستقرار الحضري، إذ منذ أواخر العصر الأموي وكل العصر العباسي تأسست مدن كبيرة مؤسسة على أسس حضرية وعمرانية جديدة غير عسكرية بالدرجة الأساسية إنما اجتماعية واقتصادية وفنية وحضرية وأوضح أنموذج على ذلك مدينة بغداد.( ) لذلك تميزت العصور الوسطى بتطور حضري كبير، حيث وصلت أحجام بعض المدن العربية، خلال هذه الفترة، إلى أحجام، ربما لم تصل إليها المدينة من قبل. ومنذ القرن التاسع عشر، بدأت مرحلة جديدة من التطور الحضري، حيث كان تطور وسائل النقل ونمو التجارة الدولية من العوامل الرئيسية، التي أدت إلى نشأة العديد من المدن الجديدة. وفي القرن العشرين، ظهرت مدن جديدة، نتيجة اكتشاف واستخراج النفط. وأبرز هذه المدن ما موجود في شبه الجزيرة العربية.
ظاهرة النمو الحضري السريع لم تكن مقتصرة على العالم العربي إذ شهد القرن العشرين نمواً سريعاً لسكان المدن في العالم. وحسب الأمم المتحدة ارتفعت نسبة السكان الحضر من مجموع السكان من 13% عام 1900 إلى 29% عام 1950 ووصلت إلى 49% عام 2005 ومن المتوقع أن تبلغ 60% عام 2030.
إلا أن ما يميز التطور الحضري، في العالم العربي، منذ النصف الثاني من القرن العشرين، هو النمو السريع في عدد المدن وفي عدد سكانها، بطريقة لا يواكبها تحول مناسب في البنية الاجتماعية- الاقتصادية. إن العوامل الرئيسية المسؤولة عن هذا التحضر السريع، هي ارتفاع معدلات الزيادة الطبيعة للسكان (الفرق بين الولادات والوفيات) في المدن نفسها، وعامل الهجرة الريفية نحو المدن، والهجرة الدولية الوافدة، بالأخص إلى البلدان المنتجة للنفط وإعادة تصنيف المدن والأرياف التي تكون لصالح الأولى وعلى حساب الثانية.
إن النمو الحضري لم يأخذ طريقه بصورة متوازنة. مما أدى إلى تركز السكان الحضر في مدن قليلة العدد وظهور ظاهرة المدن الكبيرة المهيمنة، التي هي في الغالب العواصم السياسية. وقد أضر هذا لوضع بتوازن الشبك الحضرية، وخلق صعوبات جمة أمام عملية التنمية الاجتماعية –الاقتصادية في البلدان العربية.
وقد أفرز التحضر السريع الكثير من المشاكل، منها ما يتعلق بالمدن نفسها ، مثل أزمة السكن، الموصلات، البطالة، التلوث، نقص الخدمات الأساسية، اختلال التنظيم الاجتماعي، والتطور العشوائي للمدن...الخ، وتلك المتعلقة بالمناطق الريفية، مثل فقدان الأيدي العاملة الزراعية الشابة وتقلص مساحة الأراضي الزراعية.
تحاول هذه الدراسة تسليط الضوء على النمو الحضري في العالم العربي، الذي بات مثار اهتمام أوساط عديدة، بسبب النتائج التي أفرزها ويفرزها على شتى الأصعدة، وذلك بواسطة تحليل تطور مستوى التحضر ومكونات النمو الحضري وظاهرة هيمنة المدن الكبرى وعلاقة التحضر بالتنمية ومشكلات التحضر وذلك بغية التعرف على سمات واتجاهات التحضر. وفي الأخير، حاولنا تلمس إمكانية انبثاق إستراتيجية حضرية شاملة على مستوى البلدان العربية، لتصحيح اختلال مسار عملية التحضر.
تعريف المدينة
أحد المشاكل التي تواجه الباحث في دراسته للتحضر في العالم العربي، هي الاختلاف في تحديد المدينة من بلد لآخر ومن تعداد سكاني لآخر.( ) ففي بعض البلدان العربية، يعتمد تعريف المدينة على عدد السكان وذلك للتمييز بين القرية والمدينة. وغالباً ما يتراوح هذا العدد بين 5000- 10,000 نسمة. وفي أقطار أخرى، يستند على أساس الوظيفة الإدارية، دون الأخذ في الاعتبار عدد السكان. ففي سوريا والسعودية وموريتانيا، تعتبر التجمعات أو المراكز السكانية، التي يبلغ عدد سكان كل منها 5000 نسمة أو أكثر، مدناً. ونجد أن السودان يعتمد أيضاً على هذا الأساس العددي في التصنيف. إضافة لذلك، فإنها تُدخل المراكز العمرانية، التي تتمتع بأهمية إدارية أو تجارية، في عداد المدن .أما الكويت ولبنان، فإنها تحدد العدد 10,000 نسمة فما فوق، لكي تدخل المراكز السكانية في عداد المدن.( ) وفي العراق يقوم التصنيف على أساس أداري، حيث تعتبر كل من مراكز النواحي ومراكز الأقضية ومراكز المحافظات مدناً. علما أن الإحصاءات الرسمية تخلو من أي تعريف للمدينة، لكن هذا التصنيف أصبح عرفاً حكومياً( ) متعارف عليه.
ويبدو أنه ليس من السهل رسم خط فاصل بين ما هو حضري وريفي. حيث في أحيان كثيرة، توجد أنماط من الاستيطان، تمتاز بملامح مشتركة حضرية ريفية، وهذا يتجلى بوضوح في الدول المتقدمة.( ) وفي تقديرنا، فإن هذا ينسحب على العالم العربي، ولكن بدرجة أقل.
إن التعريف المركب لا البسيط، أي الذي يجمع بين عدة أسس معاً لتصنيف المدن عن الأرياف، يمكن أن يقربنا أكثر، للتعرف على ملامح ومميزات كل منهما. ويعتمد هذا التعريف، على عدة أسس، أهمها الأساس الوظيفي والإحصائي واٌلإداري والتاريخي وذاك الذي يقوم على المظهر الطبيعي (اللاندسكيب) وعلى كثافة السكان.( )
وبدون شك، أن التباين في تعريف ما هو حضري وريفي، يشكل صعوبة كبيرة في مقارنة مستويات التحضر بين البلدان العربية. ونظراً لصعوبة التوفيق بين المعطيات الإحصائية، فيما إذا اتخذنا عدة أسس للتصنيف وتجنباً لحدوث الالتباس، فإننا سنعتمد على التصنيف الوارد في الإحصاءات والمعطيات الرسمية للبلدان العربية.
المفضلات